تتشابك في تكوين شاعرية شوقي وشخصيته الأدبية عناصر كثيرة، منها الجنسي ومنها الثقافي، أما من حيث الجنس فقد التأمت فيه خمسة عناصر، جعلته عربيًّا كرديًّا تركيًّا شركسيًّا يونانيًّا، وازدواج هذه العناصر الجنسية فيه يؤذن منذ أول الأمر بأنه سيكون شاعرًا كبيرًا، وخاصة أنه يجمع بين الجنسين العربي واليوناني، اللذين يشتهران من قديم بالشعر والشاعرية.
وأما من حيث الثقافة فقد حذق العربية والفرنسية، وتلقَّن التركية في بيته، ولكن أثرها لم يكن واسعًا في فنه سوى بعض أبيات ترجمها منها وأثبتها في ديوانه، أما تيارا العربية والفرنسية فيجريان واضحين في شعره، وكان للتيار الأول الغلبة، فهو الذي تتدفق في شعره مياهه أروع ما يكون التدفق وأبهجه.
وكان أكبر نبع يستقى منه هذه المياه كتاب "الوسيلة الأدبية" للشيخ حسين المرصفي، وهو يضم بين دفتيه أروع ما للقدماء من نماذج كما يضم بعض نماذج البارودي الحديثة، ولم يكد يلم شوقي بهذه النماذج الأخيرة حتى احتواها لنفسه وفنه، فقد تمثلها تمثلًا رائعًا.
وعكف على تمثل النماذج العباسية عند أبي نواس والبحتري وأبي تمام والمتنبي والشريف الرضي وأبي فراس وأمثالهم، وكان إعجابه شديدًا بالبحتري والمتنبي خاصة. وسُرعان ما اهتدى إلى أسلوبه، وهو أسلوب يسلك نفس الدروب التي سلكها البارودي من قبله، أسلوب يقوم على الاحتذاء للقوالب العباسية، ولا يجد صاحبه جرحًا في أن يعارض أصحابها؛ بل يعلن ذلك إعلانًا كما كان يعلنه سلفه، فتلك أمارة الإجادة الفنية، وهي إجادة تقوم على بعث الصياغة القديمة وإحيائها.
وعلى هذا النحو استطاع شوقي أن يكوِّن لنفسه أسلوبًا أصيلًا، أسلوبًا لا يتحرر من القديم؛ ولكن في الوقت نفسه يعبر عن الشاعر وعصره وكل