ما يريد من معانٍ وأفكار، وهو أسلوب يقوم على الجزالة والرصانة والمتانة والقوة؛ بحيث تؤلف الكلمات ما يشبه البناء الضخم الشاهق. وهو في ذلك يقترب من ذوق البارودي بأكثر مما كان يقترب حافظ، فقد كان بحكم نشأته في الشعب يميل أكثر منهما إلى لغته، فكان يستخدم في كثير من شعره لغة الصحف السهلة. أما شوقي والبارودي جميعًا فكانا يميلان إلى تقليد العباسيين، وكانا لذلك أكثر منه محافظة على التقاليد الفنية الموروثة.
وليس معنى ذلك أن صياغة شوقي لا تفترق عن صياغة البارودي في شيء، فشعره أكثر سلاسة من شعر أستاذه، وكأنما أشربت روحه روح البحتري، فموسيقاه أكثر صفاء وعذوبة من موسيقى البارودي، وكأنه كان يعرف أسرار مهنته معرفة دقيقة، وخاصة من حيث الصوت وما يتصل به من أنغام وألحان، ولعل ذلك ما جعل شعره أطوع للغناء من شعر صاحبيه البارودي وحافظ معًا، فقد أكثر المغنون في عصرنا من تلحين شعره وتوقيعه.
وربما كانت موسيقاه أروع خصاله الفنية، فلا تستمع إلى شيء من شعره حتى تعرفه، وإن لم يذكر لك اسمه ما دامت أذنك قد تعودت سماع شعره، وثبتت في نفسك نغماته التي تتوالى نغمة حلوة بجانب نغمة حلوة. ولا نغلو إذا قلنا: إن شعره يؤلف أروع ألحان عرفت في عصرنا الحديث؛ إذ نراه يعتصر من الألفاظ والأساليب خير ما فيها من ألحان، تسعفه في ذلك فطرة موسيقية رائعة، تقيس قياسًا دقيقًا ذبذبات الحروف والحركات وتآلف النغم في الألفاظ والكلمات.
وهذه الخصلة الموسيقية في شعره تسندها عنده خصلة التصوير البارع؛ إذ كان يعرف كيف يفيد من كنوز التشبيهات والاستعارات القديمة، ولم يكن يكتفي بذلك؛ بل كان يضيف إلى هذا الاستغلال للقديم كثيرًا من الأخيلة الحالمة. ويتضح ذلك في جوانب كثيرة من شعره، وخاصة حين يعمد إلى الوصف أو إلى الفرعونيات والتاريخ، وقصيدته في "قصر أنس الوجود" لوحة باهرة. ومن رائع أخيلته قوله على لسان توت عنخ آمون، وقد تخيل أنه بُعِثَ من