للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"من غريب إلى عصفورة مغتربة"، وهو فيها جميعًا يبتكر في المعاني، فيحلل الأحاسيس، ويأتي بأخيلة جديدة، ويطوف بك في خواطر وخلجات إنسانية حزينة.

وليس هذا كل ما جاء به في شعره من تأثيرات غربية، فقد حاكى الغربيين في اتجاه جديد لم تكن تعرفه العربية، ولا نقصد اتجاه الشعر التمثيلي الذي جاء به شوقي، إنما نقصد اتجاهًا آخر هو الاتجاه القصصي، وليس قصص الحيوان الذي نجده عند شوقي، وإنما القصص الدرامي الذي يتصل بالحياة الإنسانية، وله فيه طرائف بديعة يستمدها من الحياة اليومية؛ كقصة "الجنين الشهيد" التي أشرنا إليها، ومثلها "الطفلان" وهي قصة طفلة ثرية عشقت طفلًا فقيرًا، وظلت تذكره إلى الممات، و"فنجان قهوة" وهي قصة ابنة أمير عشقت حارس أبيها.

وخليل مطران يسوق هذه القصص في أسلوب درامي لا عهد للعربية به، ولا يقف بهذا الأسلوب عند الحوادث اليومية أو الخيالية؛ بل يوسعه ويدخل فيه بعض حوادث التاريخ؛ كالحرب بين فرنسا وألمانيا من سنة ١٨٠٦ إلى سنة ١٨٧٠ وهي من بواكير شعره، فكأن هذا المنزع صحبه منذ تيقظت فيه مواهبه. وكتب بعد ذلك قصيدة "مقتل بزرجمهر" و"فتاة الجبل الأسود" و"نيرون" ولا تلفتنا في هذه القصائد النزعة القصصية أو الدرامية وحدها؛ بل تلفتنا أيضًا نزعة رمزية فيها، فقد كتبها ليصور حياة الشعوب العربية المظلومة التي يظلمها المستعمرون وحكامها الجائرون، فهو يعرض للطغاة وغدرهم بالشعوب، ونراه يدعو دعوة حارة إلى الحرية والكرامة القومية ويستشير الحمية في الأمم الغربية من مثل قوله في قصيدة "نيرون" محرِّق روما المشهور، وقد امتدت إلى أكثر من ثلاثمائة بيت:

من يلم "نَيْرُون" إني لائم ... أمَّة لو كهرته ارتد كهرا١

أمة لو ناهضته ساعة ... لانتهى عنها وشيكا واثبجرَّا٢


١ كهرته: انتهرته.
٢ اثبجر: ارتدع وتراجع.

<<  <   >  >>