الغرب، فإذا هو يحيلها كائنات حية، تنعكس عليها أحزانه وآلامه وحبه وعواطفه ونوازعه. ومن أروع ما يصور ذلك كله عنده قصيدة المساء التي يستهلها بقوله:
داء ألم فخلت فيه شفائي ... من صبوتي فتضاعفت بُرَحائي
وهو يذكر لنا في مفتتحها أنه كان مريضًا مرضين: مرض الحب والقلب، ومرض الجسد. وأشار عليه أصدقاؤه أن يعزِّي نفسه بالذَّهاب إلى الإسكندرية، وهناك عاوده المرضان، فبث شكواه ومزَج الطبيعة معه في هذه الشكوى، فإذا كل ما فيها صورة من جروحه:
ثاوٍ على صخر أصم وليت لي ... قلبًا كهذي الصخرة الصماء
ينتابها موج كموج مكارهي ... ويفتها كالسقم في أعضائي
والبحر خفَّاق الجوانب ضائق ... كمدًا كصدري ساعة الإمساء
تغشى البرية كدرة وكأنها ... صعدت إلى عيني من أحشائي
ويناجي صاحبته في وسط هذه الهموم التي تدافعت على نفسه وعلى كل ما في الطبيعة من حوله، فيقول:
ولقد ذكرتك والنهار مودِّع ... والقلب بين مهابة ورجاء
وخواطري تبدو تجاه نواظري ... كَلْمَى كدامية السحاب إزائي
والدمع من جفني يسيل مشعشعًا ... بسنا الشعاع الغارب المترائي
والشمس في شفق يسيل نضاره ... فوق العقيق على ذرًى سوداء
مرت خلال غمامتين تحدرا ... وتقطرت كالدمعة الحمراء
فكأن آخر دمعة للكون قد ... مُزجت بآخر أدمعي لرثائي
وهي قصيدة باهرة، وبها كل طوابع الجديد عند خليل مطران، فهي تجربة شعورية كاملة، صب فيها نفسه المليئة بالأوجاع والآلام، ولم يصبها فقط؛ بل صب أيضًا عناصر الطبيعة من حوله بعد أن أودعها نفس القروح والأوصاب. وتحتل الطبيعة في شعر مطران حيزًا واضحًا، ومن أجمل قصائده "وردة ماتت" و"النوارة أو زهرة المارغريت" و"بنفسجة في عروة" و"نرجسة"