للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفتح المسلمون المدائن الدنيا على شاطئ دجلة الغربي، وكان عليهم أن يعبروا النهر إلى المدائن القصوى، بالشاطئ الشرقي، واستطاعوا بمعاونة بعض أهل البلاد أن يخوضوا مخاضة في سرعة أذهلت أهل المدائن، ففوجئوا بالمسلمين دون أن يروا سفينا.

وكان للرجاز شأن كبير في تشجيع المجاهدين على عبور دجلة؛ إذ وقف نفر منهم على الشاطئ الغربي يدفعونهم ويبشرونهم ويذكرونهم بالجزاء والثواب، يقول مالك بن عامر بن هانئ وهو أول من عبر دجلة يومئذ:

امضوا فإن البحر بحر مأمور ... والأول القاطع منكم مأجور

قد خاب كسرى وأبوه سابور ... ما تصنعون والحديث مأثور١

وكان يزدجرد قد سبق المسلمين وفر إلى حلوان، وغنم المسلمون أمواله وخزائته وجواهره، فكانت غنائمهم في ذلك اليوم لا تحصى، مما أسال ألسنة الشعراء في وصفها، يقول أبو بجيد نافع بن الأسود:

وأسلنا على المدائن خيلا ... بحرها مثل برهن أريضا

فانتشلنا خزائن المرء كسرى ... يوم ولوا وحاض منا جريضا٢

وطارد المسلمون في هذا اليوم بغلا كان محملًا بجواهر كسرى ومخصصاته من حلي ودروع فألجئوه إلى الماء، وأخرجه زهرة بن حويه وهو يرتجز قائلًا:

فدا لقومي اليوم أخوالي وأعمامي ... هم كرهوا بالنهر خذلاني وإسلامي

هم فلجوا بالبغل في الخضام ... بكل قطاع شئون الهام

وصرعوا الفرس على الآكام ... كأنهم نعم من الأنعام٣

وبعد فتح المدائن مصرت الكوفة والبصرة، وصارتا مركزين حربيين، أنيط بهما فتح الجناح الشرقي في هذا الميدان، وصار لكل منهما جند خاص، وقد أشار إلى ذلك عبدة بن الطبيب فأسماها كوفة الجند في قوله:


١ أسد الغابة ج٤، ص٢٨٢.
٢ الطبري ج٥، ص٢٤٢٤.
٣ الطبري ج٥، ص٢٤٤٥.

<<  <   >  >>