للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- معاني إسلامية خالصة:

ولعل أكثر الطوابع الإسلامية مباشرة وأبرزها ظهورًا في شعر الفتوح محاولة تمثل بعض المعاني الإسلامية الخالصة، تمثلًا قريبًا من صورتها في آي الذكر الحكيم، كما حدث في شعر النابغة الجعدي، الذي اتخذ زوال دولة الفرس موضوعًا له، فصوره معجزة من المعجزات الباهرة، التي وفق الله المسلمين إليها، حتى ليجعلنا نعتقد أنه وضع أمامه آيات بعينها من الكتاب العزيز، وراح ينظمها نظمًا، حافظ خلاله -جاهدًا- على ألفاظها.

وهي محاولة طريفة، إذا تتبعنا أبياته لنرى إلى أي مدى تمثل هذه المعاني. يقول النابغة:

الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما١

وهذا معنى يتردد كثيرًا في القرآن الكريم، من مثل قوله عز وجل على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] ثم يأخذ في تعداد الآيات الكونية فيقول:

المولج الليل في النهار وفي ... الليل نهارًا يفرج الظلما

وكأنه يعني قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [لقمان: ٢٩] .

ثم ينتقل إلى آية أخرى من الآيات الكونية فيقول:

الخافض الرافع السماء على ... الأرض ولم يبن تحتها دعما

وهذا معنى قوله سبحانه: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: ١٠] وينتقل إلى معنى آخر فيقول:

الخالق البارئ المصور في الـ ... أرحام ماء حتى يصير دما

من نطفة قدرها مقدرها ... يخلق منها الأبشار والنسما


١ أسد الغابة ج٥، ص٣.

<<  <   >  >>