للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: الطوابع الإسلامية في شعر الفتوح]

١- صدور الشعر عن روح الإسلام:

ليس ثمة شك يقتضي التدليل والبرهان على أن الإسلام قد خلق قيمًا جديدة في حياة العرب، وأن هذه القيم قد امتد أثرها إلى كافة مجالات الحياة العربية ومظاهرها، بما في ذلك الشعر الذي طبع بطوابع إسلامية جلة في شكله ومضمونه.

فقد أدت ظروف الفتح المادية والنفسية إلى إحداث تغيير في شكل الشعر الذي صدر في الفتوح. فاختفت المقدمات الغزلية والطللية، وانكمشت القصائد فصارت مقطعات قصيرة، فضاقت من ثم عن استيعاب أكثر من غرض واحد من أغراض الشعر؛ لتكون متفقة مع قصر النفس الشعري؛ بسبب اهتمامات القتال، ولتطير على ألسنة الشعراء العاديين الذين راحوا يودعون الأبيات القصيرة من القصيد والرجز مشاعرهم، ويتخذونها أداة سريعة للتعبير عن ذوات أنفسهم، وحمل ما بنفوسهم من أحاسيس.

ولعل الطوابع الإسلامية التي طبعت المضمون في هذا الشعر أوضح الطوابع التي تعرض للتأثر بها وأعمقها على الإطلاق. فلو تصفح الدارس شعر الجهاد وهو يمثل كثرة شعر الفتوح لوجده في مجموعه يذهب في الفخر، والإشادة ببلاء المسلمين، وتصوير نكايتهم بالعدو كمجموع متحد الوجدان؛ ولذا يسم الشعر في كثرته استخدام ضمير الجماعة بشكل ملحوظ.

وهذه الجماعة بطبيعة الحال ليست القبيلة أو العشيرة، وإنما هي جماعة المسلمين الكبيرة، التي استوعبت كل العلاقات العصبية والقبلية، القائمة على وشائج القربى والدم والنسب، فنسختها في إطار وجداني قومي وفكري، يقوم على أواصر الإنسانية والأخوة والعقيدة والمساواة، وراح الشعراء يصدرون عنه.

<<  <   >  >>