للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن بطبيعة الحال لا نعدم أن نجد شعراء يتغنون بقبائلهم، غير أن ذلك لم يحدث إلا نادرًا، عندما يتصادف أن يجتمع نفر كبير من قبيلة بعينها في ميدان معركة واحدة، كما حدث لجمع بني أسد، الذين استشهد منهم عدد كبير في مقتلة الفيل يوم القادسية، وأخذ بعض شعرائهم يصورون ما قاموا به من الفداء، ويشيدون بما أبدوا من ضروب البسالة والتضحية، ويفخرون بقومهم، ولكنهم يفخرون بإسلامهم، وبطاعتهم لربهم وبذلهم في سبيله، كما في مقطوعة نافع بن الأسود التميمي، التي يقول فيها عن قومه:

هم أهل عز ثابت وأرومة ... وهم من معد في الذرا والغلاصم

وهم يضمنون المال للجار ما ثوى ... وهم يطعمون الدهر ضربة لازم

ثم يقول:

ولما أتى الإسلام كانوا أئمة ... وبادوا معدا كلها بالجرائم

إلى هجرة كانت سناء ورفعة ... لباقيهم فيهم وخير مراغم

فجاءت ببهم في الكتائب نصرة ... فكانوا حماة الناس عند العظائم

فصفوا لأهل الشرك ثم تكبكبوا ... وطاروا عليهم بالسيوف الصوارم١

ويظهر ذلك بوضوح في قول الأسود بن سريع التميمي في الفخر بيني أبيه؛ إذ يقول يوم الأهواز:

لعمرك ما أضاع بنو أبينا ... ولكن حافظوا فيمن يطيع

أطاعوا ربهم وعصاه قوم ... أضاعوا أمره فيمن يضيع٢

وليس يعني وجود ضمير الجماعة في قصائد الجهاد اختفاء ملامح الفرد الشخصية في هذا الشعر، وإنما الحقيقة أن الفرد كان يصدر في بعض هذا الشعر عن ذات نفسه مع اعتبار هذا الذات جزءًا من الجماعة التي تمثل ضميرها فصدر عنها في صدوره عن


١ الإصابة ج٦، ص٢٦٢.
٢ الطبري ج٥، ص٢٥٤١.

<<  <   >  >>