للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الشعر في الشام:

كان لكثرة القبائل اليمنية في جند الشام أثر كبير في قلة المحصول الشعري، الذي تخلف عن الفتوح الإسلامية هناك، فإن الشعر الذي بين أيدينا قليل جدًّا، حتى إنه ليقصر عن تصوير حوادث الفتح وسيرها وما دار فيها، ولا يفلح في إعطائنا صورة كاملة أو قريبة من الأصل للمحاربين في بلائهم ومشاعرهم وأحاسيسهم بالمعارك التي خاضوها، وكل ما نجده أبيات قليلة يقولها المجاهد في أعقاب المعركة، أو بيت أو بيتان يرتجزهما الراجز في أثناء بروزه للقتال، وفي حملته على العدو، أو الفخر بنفسه، في موقف معين، أو رثاء صديق، أو رثاء عضو من أعضائه.

ويبدو أن قصر المدة التي استغرقها فتح الشام، وعدم انفساح المنطقة لتوغل المسلمين إلى مدى أوسع كانا من أسباب اختفاء شعر الحنين والتشوق، والشعر الذي يصور الشئون الخاصة بالجند، من أمثال ما رأينا في شعر الميدان الشرقي. ومهما كان مدى الافتراق بين الميدانين فلنحاول التعرف على الكيفية التي استطاع بها المحاربون في هذا الميدان تصوير حوادث الفتح وظروفه بالقدر الذي أتيح لهم أن يصوروها.

وقد تقدم أن أبا بكر اهتاج للشام، فعقد لواء حربها لأربعة من مشاهير قواد المسلمين، وعين لكل منهم مهمته، فكانت مهمة أبي عبيدة فتح حمص والجابية، وكانت مهمة ابن العاص فتح فلسطين، بينما كانت وجهة يزيد بن أبي سفيان دمشق، ووجهة شرحبيل ابن حسنة الأردن١، وبعد هذا تختلف الروايات فيما كان من أمر هذه الجيوش، وهل خاضت بعض المعارك وهي موزعة، أو ابتدأت معاركها مجتمعة؟ وفي الحقيقة أننا لا نجد في كتب التاريخ ما يقنع بصحة ترتيب وقائع الفتح في الفترة الأولى من فتح الشام إقناعًا منطقيًّا.. فعدا معارك خالد بن سعيد، والوليد بن عقبة مع باهان، وقبائل العرب الضاربة في تخوم الشام لا نسمع بشيء إلا بوصول كتيبة خالد بن الوليد، وما يقرره أحد المجاهدين في كتيبته من تسلسل المعارك التي خاضها على نحو ما أشرنا إلى ذلك سابقًا.

وكان خالد بن الوليد قد فوز من قراقر، إلى سوى، إلى أرك، وأتى تدمر، ثم القريتين، ثم أتى حوارين، وقصم، ظافرًا حتى أغار على بني غسان في مرج راهط يوم فصحهم٢، ثم سار حتى نزل قناة بصرى، فتقابل مع جند أبي عبيدة وشرحبيل ويزيد ورابطوا عليها، حتى صالحت بصرى على الجزية٣. ويعد اعتساف خالد الصحراء بهذه


١ الطبري ج٤، ص٢٠٩٠.
٢ مرج راهط هي بصرى أذكى شام. الطبري ج٤ ص٢١٠٨.
٣ الطبري ج٤، ص٢١٢٥.

<<  <   >  >>