للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الثالث: مقومات شعر الفتوح وطوابعه]

[الفصل الأول: شعر الفتوح أنواعه وموضوعاته]

١- قصيد ورجز:

نحن أحوج ما نكون هنا إلى أن نتذكر ما قدمنا من وصف لتحركات الجيوش، وعنف المقاومة وأهوال القتال، وما كان يشغل المحاربين من التحول الدائم والحركة الدائبة، وما كان يملأ نفوسهم من مشاعر الأمل والخوف والقلق والغبطة، وغير ذلك من إحساسهم بالوجل والاغتراب، وما يمكن أن يتعرضوا له أمام عدو باطش، في أرض بعيدة عن أرضهم وعن ذويهم.

حقًّا كانت فكرة الجهاد تجذبهم بألقها، وتدفعهم إلى استرخاص أرواحهم في سبيلها، مؤمنين بنصر الله وبما وعدوا من الجنة وحسن المآب، ولكن العواطف الإنسانية المختلفة لا بد أن تثير فيهم هذه المشاعر، في مثل هذا الموقف الرهيب.

ومهما كانت مشاغل الفاتحين واهتماماتهم عظيمة وضخمة، فإنها لا بد أن تضيق عن استنفاد مثل هذه المشاعر، ولا بد أيضًا لهذه المشاعر أن تجد منفذًا تتسرب خلاله طاقاتها، فيفرج عن الفاتحين بعض ما تزخر به جنباتهم، ويعبرون فيه عن هذه العواطف وتلك المشاعر.

وقد استنفد التعبير الشعري كل هذه الطاقات النفسية واستوعبها؛ إذ انطلق الشعر على كل لسان، وقدمت الفتوح بانتشارها وتمددها لهؤلاء الفاتحين مادة هذا الشعر في أحداثها، وما تثيره من أحاسيس في هذه البيئات الجديدة، وما عانوا فيها من ابتعاد عن بيئتهم.

وقام الشعر بهذه المهمة خير قيام، وإن طبع بطوابع أملتها عليه الظروف القاسية للمعارك وتلاحقها وعنفها، فاتسم بخصائص معينة في شكله ومضمونه.

ومن اليسير أن نتتبع أنواع هذه المنظومات، وأن نجمعها في نوعين كبيرين من حيث الشكل الفني، وهما: القصيد والرجز. فمع أن الرجز ليس إلا وزنًا من أوزان

<<  <   >  >>