للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: الشعر في الفتوح الشرقية]

١- كثرة الشعر على ألسنة الفاتحين:

يكاد شعر الفتوحات الإسلامية كله أن يكون وليد الفتوح الشرقية وحدها؛ ذلك أن هذا الشعر كثير كثرة مطلقة إذا ما قورن به شعر الميادين الأخرى؛ ولهذا يجمل بنا أن ننعم النظر في ظروف هذه الفتوحات بالذات، وأن نتعرف إلى هؤلاء الفاتحين الذين هاجروا إلى هذا الميدان من شبه الجزيرة العربية، علَّنا نجد تفسيرًا لهذه الظاهرة، مما يعيننا على تفهم شعرهم والظروف التي صدر فيها، ومحاولة التعرف على الفاتحين في هذه المناطق ليست أمرًا هينًا ولا يسيرًا؛ لكثرة الجيوش التي اندفعت إلى الفتح متتابعة وكثرة الإمدادات التي لحقت بها، ولانعدام الأسس التي كانت تصنف بوحيها هذه الجيوش وتلك الإمدادات.

والذي يبدو جليًّا للدارس أن الجيوش الإسلامية لم تكن تصنف على أية أسس أو داخل إطار معين، فكان يحدث أن يبعث الخليفة إلى البلدان والقبائل يستنفرها ويرغبها في الجهاد، فتتوافى إليه الجموع من هنا وهناك، فيصرفها في الوجهة التي تمليها عليه ظروف الأحداث وطبيعتها. وتذكر بعض الروايات أن أمير المؤمنين كان إذا اجتمع إليه جيش من أهل الإيمان أمر عليهم رجلًا من أهل العلم والعفة١، وبرغم هذا فإنه يمكن للباحث أن يلاحق هذه الجيوش وتلك الإمدادات ملاحقة دقيقة؛ حتى يستطيع أن يرسم صورة تقارب الأصل أو تدل عليه، وتلقي على هذه الظاهرة بعض الضوء.

كان أول من مهد للفتح الإسلامي في العراق المثنى بن حارثة الشيباني، الذي انضم إلى العلاء بن الحضرمي في مقاتلة المرتدين، على رأس من بقي على الإسلام من أهل هذه النواحي التي تساحل الخليج الفارسي إلى الشمال، وقد رأينا أنه نزل في قبائل العرب الذين يقيمون بدلتا النهرين فتحدث معهم وتعاهد، ولا ريب في أن هذه القبائل التي


١ الطبري ١/ ٥/ ٢٧١٤.

<<  <   >  >>