للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخطيط المدن وسكانها، ولم يرتضِ عمر أن يسكن عمرو وجنده الإسكندرية، حتى لا تتغير طباعهم العسكرية، وحتى لا يكون بينه وبينهم ماء، إذا أراد أن يركب راحلته حتى يقدم عليهم فعل، فتحول عمرو إلى الفسطاط١.

وقد ساعد اشتراك كثرة الجند في أصول يمنية واحدة على عدم تشقيق الخصومات، فشحب لون القبلية، وبرزت نوازع جديدة، هي نوازع المدينة التي أفاءتها الحياة الجديدة في المدينة؛ إذ لم تستطع تحذيرات عمر ومحاربته لاتجاه الترف في البناء أن تحول دون تطورها، إلى أن تكون مدينة تامة لها ما للمدن من مرافق الحياة والعمران الذي عرف عن العرب من أهل الجنوب٢.

وقد ظل عرب اليمن غالبين على من سواهم في مصر زمنًا طويلًا، حتى إن عبد العزيز بن مروان قال لأبيه حين ولاه مصر: "كيف المقام ببلد ليس فيه أحد من بني أمي؟ "٣.

وكان نتيجة هذا أننا لا نكاد نجد صدى لأحداث الفتح الإسلامي لمصر في الشعر، بل لا نكاد نجد شعرًا في الحقيقة، وكل ما هنالك أبيات قليلة لبعض الهذليين، لا تكاد تصور جانبًا من جوانب الفتوح، ولا تكاد تكشف عن شيء من مشاعر الفاتحين، فبينما لم يفلح الشعر في الشام في إعطائنا صورة كاملة للفتوح كاد لا يوجد في مصر شعر يعطينا شيئًا ولو يسيرًا عن ظروف الفتح.


١ ابن عبد الحكم ص٩١.
٢ ابن عبد الحكم ص٩٢.
٣ الكندي، الولاة ص٤٧.

<<  <   >  >>