للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لن يعجزوا الله على حمار ... ولا على ذي غرة مطار

قد يصبح الموت أمام الساري١

وأزمع رجل آخر الخروج فرارًا من الطاعون أيضًا فتردد بعد أن هم وحدا به حاد يقول:

يأيها المشعر هما لا تهم ... إنك إن تكتب لك الحمى تحمم٢

وكذلك عبر الرجز عن ركوب المسلمين الماء. فهذا مالك بن عامر أول كتيبة عاصم بن عمرو التي عبرت دجلة إلى المدائن يستحث الناس على العبور، ويذكرهم بما أعد لهم من أجر وثواب، ونصر وعدهم الله به، وخسران لأعدائهم فيقول:

امضوا فإن البحر بحر مأمور ... والأول القاطع منكم مأجور

قد خاب كسرى وأبوه سابور ... ما تصنعون والحديث مأثور٣

وهكذا استخدم الفاتحون الذين أنطقتهم الفتوح بالشعر والرجز في التعبير عن الأغراض المختلفة التي يستخدم فيها القصيد، فوصفوا فيه البطولات، وأشادوا بجهادهم، واستخدموه في الرثاء، ووصف المشاهد، وما إلى ذلك من الألوان، التي لم يطرقها الرجز من قبل، وكانت وقفًا على القصيد. ويرى الدارس أن هذه لم تكن إلا مقدمة لاستخدامه فيما بعد، كقالب جديد، لا يقتصر على ألوانه الضيقة التي عرفها بها في الجاهلية، في الحرب والحداء، والمفاخرة٤. فيصبح عند العجاج والأغلب العجلي وأبي النجم قالبًا موازيًا للشعر، يحتفلون به ويطورونه تطويرًا. فضلًا عن دوره الكبير الذي ظل يؤديه في التعبئة الروحية والمعنوية للجند في أثناء القتال.

وهكذا يدهش من يطالع شعر الفتوح في هذه الألوان الجديدة، عندما تطالعه تلك الآثار السريعة للاحتكاك الحضاري في الميادين والأمصار المفتوحة، التي تركت ميسمها على الشعر، بعد أن أثرت في قائليه أثرًا سريعًا وموقوتًا، ولكنه ملحوظ، برغم الفترة القصيرة التي استغرقها هذا الاحتكاك.


١ الطبري ج٥، ص٢٥٢١.
٢ الطبري ج٥، ص٢٥٢١.
٣ أسد الغابة ج٤، ص٢٨٢.
٤ الأغاني "ساسي" ج٨١، ص١٦٤.

<<  <   >  >>