للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنا أبو ثور وسيفي ذو النون ... أضربهم ضرب غلام مجنون

آل زبيد إنهم يموتون١

ويبلغ صدقه في عواطفه حد الصراحة الساخرة التي واجه بها سعد بن أبي وقاص لما رفض أن يجعل له نصيبًا بين حملة القرآن، فقال له معرضًا بما بين القحطانية وقريش، متهمًا قائده بمحاباة القرشيين، إذ قال له:

إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد ... قالت قريش ألا تلك المقادير

نعطي السوية من طعن له نفذ ... ولا سوية إذ تعطى الدنانير٢

وغير هذه الأبيات القليلة، وما أشرنا إليه من أبياته في القادسية، التي أضيفت إلى نونيته لا نعرف له شعرًا في الفتوح، برغم شهوده المعارك المهمة في تاريخها، فقد شهد اليرموك والجسر، ولكننا لا نجد له شعرًا فيهما، وكذلك لا نجد له شعرًا في نهاوند.

ويلاحظ الدارس أن عمرًا وغيره من الشعراء القدامى كانوا أبعد الشعراء الذين اشتركوا في الفتوح عن التأثر بأية خصائص إسلامية في شعرهم، إذا ما قارنا شعرهم بشعر غيرهم من الشعراء الذين أنطقتهم الفتوح، فتغنوا بالمثل الإسلامية، وكان شعرهم معرضًا للخصائص التي اكتسبها الشعر من الإسلام.

وهكذا يمكننا القول: بأن شعر عمرو لم يكتسب خصائص إسلامية من واقع الحياة التي عاشها في الفتوح، وبرغم ضياع شعره فيما نعتقده فإنه لجلي أن شعره الإسلامي في الفتوح لو كان وجد بتمامه لما افترق في شيء عن شعره الجاهلي، وإنما هو استبدل بأيام زبيد أيامًا إسلامية، عبر فيها نفس التعبير الذي كان يعبر به عن غزوات قومه في الجاهلية. ولم يتأثر شعره بالإسلام ولا بالفتوحات، كما لم تتأثر حياته ذاتها إلا بهذه التأثيرات العامة، التي تعرض لها كل شعر الفتوح، من انكماش القصيد وسرعته، وتدفقه في إيجاز وحرارة، فضلًا عن صدقه الشعوري، وحرارة تعبيره، التي لازمت شعره في الفتوح.


١ الأغاني ج١٤، ص٢٨.
٢ الأغاني ج١٤، ص١١.

<<  <   >  >>