للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

لا بد من تلف مقيم فانتظر ... فبأرض قومك أم بأخرى المصرع

ولقد أرى أن البكاء سفاهة ... ولسوف يولع بالبكا من يفجع

ولتأتين عليك يوم مرة ... يبكي عليك مقنعًا لا تسمع

وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع١

فمدافعة المنون عبث، والجزع أمام صروف الدهر لا قيمة له، وعلامَ يجزع وهو لاحق بهم لا محالة؟! فليس أحد بخالد، وقد حاول الدفاع عنهم وضاعت جهوده سدى، فالمنايا لا تدفع، ولكل إنسان مصرع لا يعلم زمانه ولا مكانه والبكاء سفاهة؛ إذ لا قيمة له، والباكي سوف يُبكى عليه يومًا ما.

وفضلًا عن هذه الروح الإسلامية نجد اعتزازًا كبيرًا بما أعده الله للشهداء من ثواب وأجر، كما في قول من رثَى شهداء المسلمين الذين دفنوا في القادسية بمشرق؛ إذ قال:

جزى الله أقوامًا بجنب مشرق ... غداة دعا الرحمن من كان داعيا

جنابًا من الفردوس والمنزل الذي ... يحل به م الخير من كان باقيا٢

ولعلنا لا نجد في الشعر العربي قصائد كثيرة تشبه القصيدة الرائعة التي رثى بها كثير بن الغريزة النهشلي الذي كان بجيش الأقرع بن حابس التميمي شهداء جوزجان والطالقان، ورثى بها نفسه رثاء رائعًا، يذكرنا بقصيدة مالك بن الريب في فتح خراسان، وهي تجري على هذا النمط:

سقى مزن السحاب إذ استقلت ... مصارع فتية بالجوزجان

إلى القصرين من رستاق خوط ... أقادهم هناك الأقرعان

وما بي أن أكون جزعت إلا ... حنين القلب للبرق اليماني


١ ديوان الهذليين ج١، ص١، الاستيعاب ص٦٦٦، ياقوت ج٤، ص٥٣٨.
٢ ياقوت ج٤، ص٥٣٩.

<<  <   >  >>