للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما كتب لهم، وأن ما يمكن أن يصيبهم لا يخرج عن أمرين: أمرهما حلو، فإما الشهادة المؤدية إلى الجنة، وإما النصر الذي هو حق لهم ما أخلصوا في قتال عدوهم، وما نصروا الله، فإن ينصروه ينصرهم، والنصر من عنده يؤتيه من يشاء، وإن ينصرهم فلا غالب لهم.

انطلق المسلمون عبر حدودهم وكل هذه المعاني تعتمل في نفوسهم، وتنطلق على ألسنتهم، كما انطلقت على لسان المغيرة بن شعبة في مسامع رستم وحاشيته "يدخل من قتل منا الجنة، ومن قتل منكم النار، ويظهر من بقي منا على من بقي منكم"١.

وينطلق هذا المعنى في كتاب خالد بن الوليد إلى رؤساء فارس: "أسلموا تسلموا، وإلا فاعتقدوا مني الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر"٢. كما ينطلق على لسان ربعي بن عامر، رسول سعد بن أبي وقاص إلى رستم في القادسية، وقد دخل على القائد العظيم في ثياب صفيقة، فوق فرس قصيرة، ولا يزال راكبها حتى يدوس بها على طرف البساط، ثم يترجل فيربطها ببعض الوسائد، ويقبل وعليه سلاحه ودرعه، وبيضته فوق رأسه؛ ليرد على من صاح به أن يلقي سلاحه: "إنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت". ثم يتوكأ على رمحه فوق النمارق ليقول مدويًا مجيبًا من سأله عن سبب مجيء المسلمين "ما جاء بكم؟ "، "الله ... ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"٣.

وقد تداول هذه المعاني أولئك المجاهدون الشعراء الذين اجتذبهم ألق الجهاد، فصهم آذانهم عن كل دعاء إلا دعوة الله، فتركوا من ورائهم أهليهم وذويهم يناشدونهم البقاء إلى جانبهم، حرصًا عليهم ورغبة في سلامتهم، ولكن كيف لهم أن يمنعوا أنفسهم طلبتها، وكيف لهم أن يقعدوا عن واجب أوجبه الله ودعا إليه، وليسوا ممن


١ الطبري أوربا ج٥، ص٢٢٧٩.
٢ الطبري أوربا ج٤، ص٢٠١٩.
٣ الطبري أوربا ج٥، ص٢٢٧٠.

<<  <   >  >>