للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يروى في خروجه للجهاد من روايات متضاربة، فهو حُدَّ في الخمر، ونفاه الخليفة مرة، ثم مرة أخرى يشبب بامرأة من الأنصار. وتلعب الروايات دورًا كبيرًا في تفسير خروج الشاعر إلى القادسية والتحاقه بسعد؛ لتفسير حبسه في القادسية عن القتال، ثم انطلاقته البطولية وتحقيقه النصر للمسلمين، بعد أن يبكي أغلاله ويظهر ما يجيش في صدره من ضيق لقعوده عن القتال.

وتذهب الروايات مذاهب بعيدة في تصوير بلائه وقصفه للأعداء؛ حتى ليظنه المسلمون الخضر يمتطي البلقاء، ويظنه الآخرون ملكًا يحارب إلى جانبهم، ويتعجب سعد إذ ترك أبا محجن حبيسًا، ولولا أنه حبسه بيده لظن أنه هو١.

وواضح فيما سلف أن أبا محجن خرج للجهاد قبل القادسية، وأنه شهد الجسر، وأنه إنما حبس لشغبه على سعد. ولكن الروايات تمضي تستكمل جوانب شخصية الفارس فتصوره عابثًا لاهيًا، مستهينًا بكل شيء، يجادل الخليفة في الخمر جدالًا فكهًا، ويرثيها بشعر رُوي لأكثر من شاعر٢.

ومثل أبي محجن وما نسج عنه نسجت قصص كثيرة في مقتل يزدجرد ورستم ومهران، وتنازعت الروايات شرف قتلهم، فتفرق دمهم بين عدد كبير من الفرسان، أمثال: عمرو بن معديكرب، وطليحة بن خويلد، وقرط بن جماح، زاهير بن عبد شمس، وعمرو بن شأس، وهلال بن غلفه. وقال كل من هؤلاء شعرًا يفخر فيه بقتل أحد هؤلاء القادة العظام.

ومن مصر أتت روايات تتحدث عن بطولات عمرو بن العاص ودهائه، وقدومه إلى مصر في الجاهلية مرتين، ومشاهده في الإسكندرية، وما كان من التنبؤ له بفتح مصر، في قصة وقوع الكرة بكمه في أحد أعياد القبط٣. مما يدل على تدخل روح العامة في الاستشراف والتوقع والتمهيد لفتح مصر على يده. وغير ذلك من القصص التي تكشف عن المثل العربية في النجدة والوفاء، من مثل: قصة اليمامة التي باضت فوق


١ الأغاني ٢١/ ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠.
٢ الأغاني ٢١/ ١٤٢.
٣ المقريزي ج١/ ١٥٨.

<<  <   >  >>