للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بانتصاراتها، ورغبتهم في تصويرها تصويرًا معجبًا يرضي نوازع الزهر فيهم. وقد تملق القصاص هذا المنازع بما زادوه في قصص الفتوح، وما نسبوه إلى فرسانها المشهورين، من أفعال تحولت بسيرهم من الواقع إلى ما يكاد يشبه الأساطير، مما أدى إلى نحل الشعر عليهم، ونسبته إلى الشعراء وغير الشعراء منهم.

وأشعار أخرى نجدها منسوبة إلى غير قائل، تعالج كل موضوعات الشعر التي عالجها الشعراء المعروفون، وهي أشعار تطبعها طوابع شعبية، في تغنيها بروح الجماعة، وتغني الناس بها، وما يبدو من بساطتها وسهولتها، وقربها من الحديث العادي، مما يؤكد أنها لشعراء من عامة الجند، لم يعن الرواة بالتعرض لهم لضعف شأنهم، وعدم نضج أشعارهم نضجًا يؤهلهم للشهرة؛ ذلك لأن الرجز هو أقرب ألوان الفن القولي إلى السليقة العربية لعفويته وسهولته، وأيضًا فإن هؤلاء الشعراء لم يكن يهمهم أن ينسب الشعر الذي ينظمونه إليهم؛ إذ كانوا من عامة الشعب، وعامة الشعب دائمًا لا يهمهم أن ينسب إليهم فضل أو تمجيد. إنما هي مشاعر ينطقون بها في بعض اللحظات، ولا يهم من ينطقون بها أن تنسب إليهم أو أن يشاد بهم من أجلها. ومن أجل ذلك لم تعين نسبتها إلى من نظموها؛ إذ كان ذلك لا يعنيهم في شيء.

وذلك شيء عام يلاحظ في الآداب الشعبية أنه لا تتضح فيها النسبة إلى من صنعوها، وكأنها ليست لأفراد معينين، إنما هي للشعب كله، تصور روحه, وتعبر عن شخصيته، وأنها ميراث لجميع أفراده، لا يختص بها فرد دون فرد. ومن خير ما يصور ذلك الأمثال الشعبية، فإنها دائمًا مجهولة القائل؛ لأنها من عمل الشعب، وأعمال الشعب لا تسجل تسجيلًا فرديًّا، وكأنما يتلاشى فيها الفرد في الجماعة تلاشيًا تامًّا.

<<  <   >  >>