للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويغري شعر الفتح بدراسة الشعراء الذين أسهموا في تصوير الفتوح دراسة تبين مدى تأثرهم بالمثل الإسلامية، والأحداث الخطيرة التي تعرضوا لها في ظلال الإسلام. ويستطيع الباحث بهذا وبمقارنتهم بشعراء آخرين ألهبتهم هذه الأحداث أن يتبين عمق هذه الآثار في نفوس جيل من المسلمين تعمق الإسلام، وجيل آخر من المخضرمين لم يمسه من آثار الفكرة الجديدة شيء على الإطلاق. وعلى حين انطلقت ألسنة الفاتحين المسلمين بالشعر فذكت جذوته بعد خمود، نرى الشعراء القدامى لا يستطيعون الخروج من إجفالهم، رغم ما حاولته الروايات من تشويه هذه الحقيقة، وتقوية دورهم في الفتوح، بإضافة شعرهم الجاهلي إلى شعرهم الإسلامي القليل.

وبرغم هذا يستطيع الشعراء المغمورون أن يرسموا جوانب هذه الحركة بصورة لافتة، ويمثل شعرهم جميعًا تعبيرًا دقيقًا عن الحياة الإسلامية في هذه الفترة التي اتسمت بالفتوح والانتشار والحركة. وهو لا يقصر عن تصويرها أدنى تقصير، وكأنه يثبت بهذا خطأ الفكرة التي تذهب إلى أن العرب لهوا بالفتوح عن الشعر.

وهو -لتصوير جوانب الحياة ومثلها وقيمها- يعتبر مرآة للعصر الإسلامي، يبتغي فيه تبين صورة الحياة الإسلامية وآثار الإسلام في النفسية العربية ويأخذ بهذه القيمة مكانه بين عصور الأدب المختلفة، كمجاز للشعر العربي من العصر الجاهلي إلى العصر الأموي، بما اكتسب من طوابع إسلامية، تطورت فيه تطورًا محدودًا، وامتد تطورها من بعد، كما هو واضح في شعر الجهاد والرثاء، وما يسمهما من طوابع إسلامية. فكأنه خلص الشعر من قيود الجاهلية، وأسلمه إلى العصر الأموي؛ ليتطور فيه تطورًا ملحوظًا، ورغم هذا فقد حقق تطورات جديرة بالتدبر، كما هو واضح في شعر رثاء الأشلاء. واكتسب موضوعات جديدة لم تعرف في الأدب العربي القديم، كشعر الحنين الذي ورث بكاء الأطلال إلى حين، وأورثه لشعر الغزل العذري فيما بعد، وكشعر المشاهد الغريبة التي سجلت في الأدب لأول مرة.

كما يعتبر التطور بوزن الرجز إلى أن يكون قالبًا شعريًّا ممهدًا لما كان بعد من تحديد لهذا القالب عند الرجاز الأمويين والعناية به. وفضلًا عن تصوير هذا الشعر للطوابع الإسلامية التي انطبعت بها حياة الناس ومشاعرهم فإنه تظهر فيه آثار الاهتمامات الشعبية، وما شاع حوله من أقاصيص الفرسان الشعراء.

<<  <   >  >>