للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويظل يجالد الفرس حتى يصرع، فيحمل الرابع منشدًا:

لست لخنساء ولا للأخرم ... ولا لعمرو ذي السنا الأقدم

إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ... ماض على الحول خضم خضرم

إما لفوز عاجل ومغنم ... أو لوفاة في السبيل الأكرم١

ويخر صريعًا فيلحق بإخوته إلى الرفيق الأعلى، وحين يبلغ الخبر إلى أمهم تلك التي جعلت من أساها على أخيها صخر مناحة أليمة في تاريخ الأدب العربي -نجدها لا تهتز له إلا فخرًا فتقول: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم".

وهكذا نرى هذا الدافع العقدي الجبار يدفع بالأم إلى أن تقود بنيها جميعًا بيدها وبلسانها إلى الجهاد، وتعدهم له، ويدفع بالأبناء إلى أن يعصوا الأبوة في سبيل الجهاد ولا يحفلوا بشيء، ويدفع الرجال إلى أن يتركوا وراءهم كل ما يتشبث به، وكل من يتمسك ببقائهم، إنها قوة دافعة لا تقاوم، يغذيها الإيمان العميق، والإحساس الأصيل بضرورة الانطلاق بالرسالة إلى الناس كافة؛ ليتسنى لهم أن يخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، انطلقوا جميعًا يجيبون داعي الله، حتى غدت ديارهم خلاء موحشة، ليس فيها غير الذئاب، كما يصور ذلك أسامة بن الحارث الهذلي في قوله:

فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشًا يبابا

ولم يدعوا بين عرض الوتـ ... ـير حتى المناقب إلا الذئابا٢


١ الاستيعاب ج٢، ص٧٤٥، ٧٤٦.
٢ ديوان الهذليين ج٢، ص١٩٩.

<<  <   >  >>