للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أرسل عمرو بن مالك الزهري إلى "هيت" و "قرقيسيا" فاضطر أهلهما إلى النزول على الجزية١. وبهذا صار السواد كله بيد المسلمين، فمهدوا طرق إدارته، وأقاموا الجند مرابطة في الثغور بينهم وبين الجبال.

وبعد سقوط السواد، وهزيمة الفرس في جلولاء، انهارت خطوط المقاومة الفارسية، إلا أن بقاء يزدجرد -ذلك الملك الشاب- كان لا يزال رمزًا حيًّا للوطن السليب، فجمع حوله الفلول، وعلى الرغم من أن الخليفة كان يرى الاقتصار على ما بيد المسلمين من سواد العراق، ويتمنى لو كان بين السواد والجبل سد يفصل بين العرب والفرس، فإن المسلمين لم يجدوا بُدًّا من مطاردة هذا الرمز، فظلوا يتعقبون يزدجرد؛ لأنه الذي يبعث المقاومة.. "ولن يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا، فلنسح في بلادهم حتى نزيله عن فارس، ونخرجه عن مملكته وزعامته، فينقطع رجاء أهل فارس"٢.

وكان يزدجرد قد فر من حلوان، أمام هاشم بن عتبة إلى إقليم فارس، جنوبي إيران؛ حيث تحول إلى الري ومنها إلى قرميسين، يطارده المسلمون حتى استقر في نهاوند. وفي نهاوند كان اهتمام عمر أشد من اهتمامه بالقادسية، حتى لقد راودته نفسه الخروج إليها، ولكن المسلمين رأوا له خلاف ما رأى لنفسه. وكذلك كان اهتمام الفرس بها عظيمًا؛ إذ كتب يزدجرد إلى عماله، فاجتمع من الفرس من أهل الجبال -من بين الباب إلى حلوان- ثلاثون ألف مقاتل، ومن بين سجستان إلى فارس وحلوان ستون ألفًا، ومن بين خراسان إلى حلوان ستون ألفًا أخر. واجتمعوا جميعًا إلى الفيرزان٣.

وتحصن الفرس بالحصون والخنادق. وكان على المسلمين النعمان بن مقرن، الذي عقد مؤتمرًا عسكريًّا للتشاور في أمر الحرب، شهده أبطال المسلمين كالقعقاع وطليحة وعمرو بن معديكرب وغيرهم. وانتهى الرأي إلى أن يبدأ القعقاع القتال حتى يخرج إليه الفرس من حصونهم وخنادقهم فيقتلهم المسلمون. وتم هذا الترتيب الحربي كما قدر له. وبدأ القتال واشتد، وقتل قائد المسلمين، وأُخفي خبر استشهاده، واستلم حذيفة بن اليمان الراية، وما أتى المساء حتى أتت معه الهزيمة للفرس، ودخل المسلمون نهاوند واحتووا ما حولها.


١ ياقوت ج٢، ص٦٥.
٢ الطبري ١/ ٥/ ٢٥٥١.
٣ الطبري ١/ ٥/ ٢٦٠٨.

<<  <   >  >>