بعد أن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وعن تيماء وفدك إلى فلسطين، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البعث أن يهدد مشارف الإمبراطورية؛ ليحسب الروم حسابًا للمسلمين. كما كان هناك هدف آخر هو الاستطلاع بالوصول إلى مآب، كما يظهر في قول عبد الله بن رواحة إذ يقول:
فلا وأبي مآب لآتينها ... وإن كانت بها عرب وروم١
وسار المسلمون إلى مؤتة، وبينا هم في الطريق دنا منهم الروم عند مشارف وهي قرية من قرى البلقاء، فانحازوا إلى مؤتة، وكان الروم في أعداد غفيرة، فأراد المسلمون أن يكاتبوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتهددهم، فنهاهم عبد الله بن رواحة وقال: إنها الشهادة أو الطعن٢.
والتقى المسلمون بالروم، فاستشهد زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة. وداور خالد بن الوليد بالمسلمين حتى قدم إلى المدينة٣.
وبدا بعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعاود الكرة، فتضاعفت الرغبة في الثأر، وقوبل بعث موتة من المسلمين باستياء بالغ، وجعل الصبيان يحثون التراب عليهم ويصيحون: يا فرار، فررتم من سبيل الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بالفرار، لكنهم الكرار إن شاء الله" ٤.
وفي العام التالي لبعث مؤتة سار صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس المسلمين إلى الحدود العربية الرومية؛ حيث قام هناك بمناورات حربية لم تحدث فيها اشتباكات؛ إذ اكتفى فيها بإظهار قوة المسلمين في هذه الجهات٥، وتراجع الروم دون قتال، وأصاب المسلمون بعض الواحات التي صالحوا عليها، كصلح النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل جرباء وأذرح، ومع صاحب أيلة. وأرسل خالد بن الوليد فصالح أكيدر صاحب دومة الجندل على الجزية٦. فلا عجب -وقد أثارت هاتان الغزوتان الثارات بين المسلمين والروم- أن يجهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش أسامة
١ معجم البلدان ج٤ ص٥٧١.
٢ نفس المرجع والصحيفة.
٣ ابن هشام ج٣ ص٢١١، ٢١٥.
٤ ياقوت ج٤ ص٦٧٧.
٥ ابن هشام ج٢ ص٣٢٨-٣٣٨.
٦ الطبري ١/ ٤/ ١٧٠٢.