للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمون قيمة الأساطيل البحرية. وقد ألمت بالمسلمين في هذه الفترة مجاعة عنيفة ووباء شديد. أصابتهم المجاعة في مواطنهم في شبه الجزيرة، وأصابهم الوباء في الميدان. ودامت المجاعة تسعة أشهر، وهلك فيها الزرع والنسل والضرع والحرث، وأصاب الناس منها الْجَهْد والبلاء. أما الطاعون فقد امتد من الشام إلى العراق فأفنى الألوف من خيرة المسلمين رجالًا ونساء وجندًا ومدنيين، حتى ارتاع له الناس أيما ارتياع. وعالج الخليفة المجاعة بصبر وحكمة، مستعينًا بما أفاءه الله من خيرات الشام والعراق. وأما الوباء فيذهب بعض المؤرخين المتأخرين أنه نشأ عن كثرة القتلى في الميادين، حتى تعذر دفن أكثرهم فأثار ذلك سبب الوباء. وعالجه عمرو بن العاص؛ إذ أشار بإخلاء المنازل والإخلاد إلى الخلاء والاعتصام بالجبال.

واهتم عمر بأمر الوباء وما آل إليه أمر الشام بعد زواله، فقد فني من المسلمين خمسة وعشرون ألفًا. وانتقل من الشام إلى العراق ففتك بأهل البصرة. ولا يأمن عمر أن يكون ذلك سببًا في اضطراب النظام الاقتصادي؛ بسبب مواريث من فني، فقد يجر توزيعها ثارات بين المسلمين، فعول على الخروج إلى الشام ونزل الجابية، وزار مدن سورية جميعها يستفسر عن حال المسلمين، ووزع المواريث ونظم ثغور الشام ومسالحه، وبذلك استقر كل أمر في نصابه، وثبتت أقدام المسلمين بالشام وورثوا فيها الروم. ولكن المسلمين كانوا يدركون إدراكًا عميقًا أن وجودهم بالشام رهن بفتح مصر، بعد أن رأوا في مقاومة الروم لهم من قواعد مصر البحرية في حملة قسطنطين ما أزعجهم وهدد سلطانهم؛ فدفعهم هذا إلى التشاور مع الخليفة في مؤتمره بالجابية في فتح مصر على ضوء الأحداث والواقع.

<<  <   >  >>