للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجيء، ثم تقدم إلى أم دنين فحاصرها، ووقف قبالتها يمنع عنها العتاد والميرة، ولم يفكر الروم المقيمون في الحصن أن يخرجوا، بعدما رأوا مصير بلبيس. أما مسلحة أم دنين فكانت تخرج إلى القتال أحيانًا ثم ترتد إلى حصنها، ولم يتغير الموقف خلال أسابيع، وإذا بالمدد قد أقبل ورآه أهل الحصن فأسقط في أيديهم. وكان عمرو قد عرف مداخل الحصن ومخارجه، فتخير وقتًا أمر فيه أصحابه أن يشدوا جميعهم شدة رجل واحد، وسار في طليعتهم، ففتحه الله عليهم بعد مقتلة عظيمة، وبعد أن أسروا من بقى فيه حيًّا١.

ونزل عمرو أم دنين، ثم عبر مع جنده النيل في سفنها، وساروا يتخطون الصحراء مجتازين أهرام الجيزة، وهناك على الجانب الغربي على النيل دارت معركة حامية كانت للمسلمين على حنا وجنده. ثم عاد عمرو إلى بابليون؛ لما علم بنبأ الأمداد التي في طريقها إليه٢.

واستطاع أن يلتقي بالمدد، ويبلغ عسكر المسلمين في هليوبوليس؛ حيث ضيع على تيودور الفرصة، واغتبط عمرو بالمدد الذي أتاه، وفيه الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود ومسلمة بن مخلد، وعسكر المسلمون في عين شمس وجاءته الأنباء بأن تيودور أمير جند الروم قد تداول مع أصحابه، فرأوا أن مقامهم بالحصن يظهرهم أمام المصريين بمظهر الجبن والخور، ويغري الناس بالانضمام إلى المسلمين ومعاونتهم، فعزموا على الخروج لإجلاء المسلمين عن عين شمس، ودبر عمرو خطته، فسير خمسمائة من رجاله تحت الليل من وراء الجبل حتى دخلوا مغار بني وائل عند قلعة الجبل، وأخرج خارجة بن حذافة في خمسمائة آخرين ساروا قبيل الفجر إلى أم دنين، ولما تنفس الصبح سار بمن معه حتى بلغ مكان العباسية الآن وأقام ينتظر. وخرج الروم وتقدموا إلى عين شمس فبلغهم أن عمرًا تقدم يريد لقاءهم، فاستخفهم الطرب وأيقنوا بالظفر، وتعاهدوا على الاستبسال. والتقى الفريقان فأنشبوا القتال، وإنهم لكذلك؛ إذ انحدرت الكتيبة المختبئة في مغار بني وائل فعصفت بمؤخَّرة الروم عصفا فاضطربوا وأخذهم الفزع وتقهقروا إلى أم دنين، وعندئذ خرج كمين خارجة فأمعن فيهم قتلًا, ولاذ معظمهم بالفرار، وبلغت طائفة


١ هيكل، الفاروق ج١ ص١٠٢.
٢ بتلر ص١٩٨.

<<  <   >  >>