للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون كل سنة طعامًا مسمى، وكسوة من نحو ذلك١. وقد أمضى هذا الصلح عثمان بن عفان، في ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأقره الولاة والأمراء من بعده نظرًا منه للمسلمين وإبقاء عليهم٢.

ويبدو من هذا أن الجنوب قد استعصى، حتى إن الخليفة يضطر إلى قبول هذا الصلح إبقاء على المسلمين. وهذا يوضح ما كان من صدوف المسلمين عن هذا الميدان؛ إذ لم يجدوا ما يغريهم فيه، فمضوا عنه يجوبون البلاد في غربي مصر، ويجهزون على ما تبقى من ولايات بيزنطة في هذا الصقع من الأرض.

كان ضروريًّا أن تؤمن حدود مصر الغربية ضد هجمات الروم، إذا حدثتهم أنفسهم باستردادها. فحدود مصر الغربية تلاصق ولاية ليبيا البيزنطية في هذا الوقت، وكانتا تحت الحكم البيزنطي سواء، وكثيرًا ما كان إقليم مريوط يضاف إلى ليبيا تعويضًا عن إقفارها٣.

فسار عمرو في أواخر سنة ٢١هـ بعد فتح الإسكندرية في كتيبة من فرسانه حتى وصل إلى برقة، وهي حد مصر من الغرب، ولم يلقَ المسلمون في فتحها كبير كبد؛ إذ لم يذهب إليها غير الخيل، ويغلب أن تكون قد فتحت صلحًا٤، ثم بعث عمرو عقبة بن نافع الفهري فافتتح زويلة صلحًا، وأصبح ما بين برقة وزويلة ملكًا للمسلمين٥. وسار عمرو حتى وصل إلى طرابلس، وحاصرها عدة أسابيع إلى أن استسلمت، بعد أن كاد الجوع وشدة القتال يهلكان أهلها، وعاد من ثم إلى برقة، فكتي إلى أمير المؤمنين عمر: "إنا قد بلغنا طرابلس، وبينها وبين إفريقية "تونس" تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها فعل". فكتب إليه عمر ينهاه، ويأمره بالوقوف عند هذا الحد، فعاد من هناك


١ نفس المرجع.
٢ نفس المرجع.
٣ بتلر ص١٠.
٤ السيوطي ج١، ص٦٣.
٥ الطبري ١/ ٥/ ٢٦٤٦، والبلاذري ص٢٢٤.

<<  <   >  >>