رسالة بالفرنسية من طه حسين إلى "إيتنبل" في المرجع المتَقَدِّم، يقول فيها: "إنك تسألني يا عزيزي "إيتنبل" كيف أكتب؟ وهو لعمري سؤال يحيِّرُ الكاتب دائمًا فيما أظن, ومع ذلك فإني سأحاول إجابتك: "يخيل لي -ولكني لست واثقًا من ذلك- أني أتدبّر كتابي قبل الشروع في الكتابة.. وإني -بلا ريب- أحمله طويلًا بين جوانحي فلا أشعر بأنه مكتمل الصورة في ذهني إلّا حينما أكون قد وعيت ذلك واستوعبته، وحينئذ أشرع في الإملاء، أما بقية وسائل الكتابة فأنت تعلم أنه حيل دوني ودونها..", لقد أمليت كل مؤلفاتي سواء منها قصصي, والذي محصته من كتب للنقد وأنا أذرع مكتبي طولًا وعرضًا, وأدخِّن السيجارة تِلْوَ السيجارة. وفي الوقت الحاضر فإنني لا أمشي ولا أدخِّنُ, ولعل ذلك أيضًا ما جعلني أكتب أقلَّ من ذي قبل؛ فالسن قد تقدَّمَت بي.. ولكن.. لشد ما كتبت! إنه لا يذهب بي الادعاء إلى أني أكتب إذا صحَّ التعبير في دفق واحد".. فإن لي أحيانًا فترات توقُّف وقتيّة غير أنها قصيرة, وذلك عندما لا تستجيب في حينها العبارة التي أريدها, والجملة التي أرضاها, وإن كلَّ الكُتَّاب ليعرفون هذا التلهف وهذه الفترات القصيرة المثيرة. إني لا أعود إلى قراءة ما كتبت أبدًا, فإذا كان العمل ذا طابع علمي فأنا أقوم طبعًا بالتحقيقات اللازمة. وماذا أقول لك بعد ذلك أيها الصديق العزيز؟ إليك هذه الملاحظات في خاتمة كلامي على عواهنها بلا ترتيب: -إني أملي الكتاب بصفة عامة في وقت قصير, وقد اقتضاني إملاء الجزء الأول من كتاب "الأيام" أكثر من أسبوع بشيء قليل. - وإن زوجتي لتدرك أني سأكتب بعض الشيء قريبًا حالما تراني جنحت إلى الصمت, وكأنما انغلقت على نفسي في عالمي الباطني, ولكن أليس ذلك أمرًا طبيعيًّا يا ترى؟ - ويبدو أن ابتسامة تنتشر على وجهي عندما أملي.. فلتكن هذه الابتسامة مسك الختاك -إن تفضلت- يا عزيزي "إيتنبل". ٤، ٥ إبراهيم الإبياري: "وجه الحقيقة". مجلة الإذاعة والتليفزيون, في ٦ مايو ١٩٧٢.