وهو العنصر الذي يقوم على إدراك المفارقة أو انعدام التجانس، كما في الكثير من روائع الفكاهة الكلاسيكية المعروفة, والفكاهة هنا إنما تنحصر في التأليف بين عناصر متباعدة في الواقع، أو المزج بين حقائق متباينة بطبيعتها، أو التوفيق بين ظواهر متنافرة في العالم الخارجي. والأمثلة عديدة لا حصر لها على هذا العنصر في مقال طه حسين، نذكر منها مقالًا بعنوان:
"سيارة" يقول فيه:
"والله عز وجل لا يستحي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها، لأنه إنما يضرب الأمثال للحكمة والموعظة الحسنة، وليبين للناس قصد السبيل ويصرفهم عن جائرها، فمن حقنا، بل من الحق علينا أن نتأدب بأدب القرآن الكريم، وألَّا نتحرَّج من أن نتحدث إلى الناس في شيء ما، سيارة فما فوقها، لنبين لهم مواضع العوج في سياسة الوزارة القائمة، حين تعرض للكبائر، وحين تعرض للصغائر من الأمور.
والناس يعلمون ما في سياسة الوزارة من العوج، حين تعرض للري، فتقيم الخزان هنا، وتمهد لإقامة الخزان هناك، وتعرض في هذا كله عن نصيحة الناصحين، ومشورة المشيرين، وهم يعلمون كذلك ما في سياسة الوزارة من ذلك العوج، حين تعرض لأمر الدين، فتعلن أنها لن تدفع إلّا ورقًا، وتمضي مع ذلك في خصومة قضائية، ولا تجد الشجاعة على أن تتخذ في هذا الأمر قرارًا حاسمًا يقطع الشك، ويزيل اللبس، وهم يعلمون ما في سياسة الوزارة القائمة من العوج، حين تضيق باستقلال الجامعة، حتى ترده إلى أبسط أشكاله، وتجعله قابلًا لأن يوضع في علبة صغيرة يضعها وزير التقاليد في جيبه! وحين تبسط سلطان الأزهر حتى تغمر به مدارس الدولة كلها، وهم يعلمون ما في سياسة الوزارة من العوج، حين تعرض لغير الري والدين والتعليم من المرافق المصرية الكبرى، فليس هناك بأس إذن.. من أن يقفوا عند هذه السيارة لحظة، وإن كانت ما تزال في باريس تهيأ وتعد، وتنتظر مقدم رئيس الوزراء!.
"فأنا أريد أن أتحدث عن هذه السيارة التي كثر فيها الحديث بين الصحف، والتي اشترتها الدولة لرئيس الوزراء، وينتقل بها في أوربا أثناء أجازته الطويلة المقبلة.
"زعموا أن رئيس الوزراء حين كان يجمع إلى الرياسة وزارتين، كان يستمتع بالتنقل في سيارات ثلاث، إحداهما: للرياسة، والأخرى للمالية، والثالثة للداخلية، فلما اشتدت الأزمة واستحكمت، أحسّ رئيس الوزراء حاجة الدولة إلى الاقتصاد، فأمر بإحدى هذه السيارات الثلاث فبيعت، وردَّ ثمنها إلى خزانة الدولة، واقتصدت الدولة ما كانت تحتاج إليه هذه السيارة، من النفقات في كل يوم، ولا تسل لماذا لم يبع رئيس الوزراء سيارتين من هذه السيارات، ولماذا لم يكتف بواحدة دون اثنتين، فيضيف اقتصادًا إلى اقتصاد، وتدبيرًا إلى تدبير. ولا تسل لماذا لم يبع رئيس الوزراء هذه السيارات الثلاث، ولم يكتف بسيارته الخاصة، ينفق عليها من أموال الدولة، إذا لم يكن بد من أن تتكلف الدولة نفقات انتقاله. لا تسل عن شيء من هذا، فقد تتهم بالبخل، وقد تتهم بالتعنت، وقد يقال: إنك تجهل أخلاق الوزراء، وما جرت به عادتهم في مصر، حين تلقى مثل هذا السؤال أو تفكر فيه! "١.