للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- الحياة الاجتماعية:

شهدت البيئة المصرية في مطلع هذا القرن بوادر الانقلاب الاجتماعي، التي ترتبط بالحياة الفكرية والاتصال بالغرب واتجاهات الأحزاب السياسية, والتي تتمثل في اتجاهين: الأول يدعو إلى عدم فصل الدين عن الدولة، كما يتضح من مبادئ الحزب الوطني، بينما يدعو الاتجاه الثاني إلى عدم اختلاط الدعوة الوطنية بالنزعة الدينية، كما يبين من مبادئ حزب الأمة, ومن ثَمَّ دعا ممثلوا هذا الاتجاه في إطار مصطلح تعقيل الحياة المصرية إلى فصل الدين عن الدولة، وتحرير المرأة، وفض الحجاب عنها, وفي مقدمة الداعين إلى ذلك قاسم أمين أحد تلاميذ الأستاذ الإمام, الذي ينطلق كتابه" تحرير المرأة" سنة ١٨٩٩ من مسألة تأخر المصريين عن اللحاق بالأمم المتقدمة، ويذهب إلى أنها إذا بقيت على ضعفها فلن تتمكن من البقاء في عالمٍ تسوده قوانين "الانتقاء الطبيعي"١ وفقًا لمفهوم الدارونية. ويذهب إلى أن أسباب هذا التأخر لا ترجع إلى البيئة الطبيعية، إذ قامت في بعض العهود مدنيات مزدهرة في هذه البلاد ذاتها، وكما أنها لا ترجع إلى زوال القوة الاجتماعية أو القيم المعنوية، ومرجع ذلك إلى الجهل بالعلوم الحقيقية التي تمكن من استنباط قوانين السعادة البشرية, ويبدأ هذا الجهل في الأسرة، فالعلاقة بين الرجل والمرأة، والأم وابنها، إنما هي أساس المجتمع، فالفضائل القائمة في الأسرة هي ذاتها الفضائل التي تستمر في المجتمع، وعلى ذلك فإن دور المرأة في المجتمع هو "إصلاح أخلاق الأمة"٢.

ومن ذلك يتبين أن جوهر القضية الاجتماعية كما يصوره قاسم أمين هو مركز المرأة, وهذا المركز في مجتمع تقليدي متأثر بعصور الانحطاط لا يتحسَّن إلا بالتربية، كما أنه لا يُمَكِّنُ المرأة من أن تمارس حقوقها وتقوم بدورها في المجتمع من غير تعليم، إذ أن المرأة لا تكون كاملة ما لم تتصرف بنفسها، وتتمتع بالحرية التي منحتها إياها الشريعة, وما لم تنم طاقتها إلى أقصى الحدود٣.

وتصور العاصفة الشديدة التي قوبلت بها أفكار قاسم أمين في الصحف، ردَّ الفعل التقليدي الذي ذهب إلى مهاجمة نظريته في الكتب والمقالات, في حين ذهب بعض الكُتَّاب إلى تأييد هذه النظرية، ولم يلبث قاسم أمين في سنة ١٩٠٠ أن أصدر كتاب "المرأة الجديدة" ليردَّ على معارضيه بأسلوبٍ أكثر جدلية من أسلوب الكتاب الأول، مستندًا إلى الفكر الاجتماعي الأوروبي الحديث في


١ قاسم أمين: تحرير المرأة ص١١٦.
٢ قاسم أمين: المرأة الجديدة ص١٢٤.
٣ قاسم أمين: تحرير المرأة ص٨٥.

<<  <   >  >>