للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- خصائص المقال الرئيسي عند طه حسين:

وتأسيسًا على ما تَقَدَّمَ، نحاول أن نتعرَّف على أشكال التعبير في المقال الرئيسي عند طه حسين، فنجد أن هذا المقال الافتتاحي أو الرئيسي في الصحافة المصرية قد مَرَّ بطورين:

أولهما: كانت فيه المقالة الرئيسية تحتلّ الصفحة الأولى, وكانت المقالة الرئيسية في هذا الطور طويلة مسرفة في الطول، حتى لقد بلغت في بعض الأحيان نحوًا من أربعة آلاف كلمة١, وكثيرًا ما كانت تذيَّل بتوقيع الكاتب.

وثانيهما: أصبحت فيه المقالة الرئيسية تحتلُّ مكانًا آخر غير الصفحة الأولى منذ تركت هذه الصفحة للأخبار الخارجية -كما أصبحت لا تحمل توقيع الكاتب, وامتازت من حيث الطول بالقصر، بحيث لا يمكن أن تتجاوز -بشكلٍ ما- ستمائة وخمسين كلمة على الأكثر٢.

وقد ارتبط هذا الطور الأخير بالتطور الذي أصابته الصحافة بعد الحرب العالمية الأولى وما تلاها من أحداث قلبت الحياة المصرية رأسًا على عقب, حتى عودة الحياة الدستورية للبلاد بتصريح فبراير ١٩٢٢, ثم ظهور الأحزاب المصرية المختلفة.

فإذا قلنا أن صحيفة "السياسة" كانت أول صحيفة تظهر في هذا الطور على صورة من النضج الصحفي لم تعهد من قبل، وكان لها أثرها من بعد، فلعلنا نستطيع أن نقول: إنها من أوائل الصحف التي عرفت "المقال الافتتاحي" بصورته الحديثة، على يد "هيكل" في "حديث اليوم", والذي كان يكتبه بدون توقيع٣, والمقال الرئيسي الموقَّع الذي كان يكتبه طه حسين إلى جانب هذا المقال الافتتاحي، الأمر الذي يجعلنا نؤثِرُ تسمية "المقال الرئيسي" عند دراسة فن المقال الصحفي في أدب طه حسين، لأنه مقال موقَّع في معظم الأحيان, في حين أن المقال الافتتاحي الذي عرفناه عند هيكل توفَّر لديه عنصر عدم التوقيع، وحينما تولى د. طه حسين رئاسة تحرير "كوكب الشرق", وأخذ في كتابة مقالها الافتتاحي الرئيسي، جعل عنوانه "حديث المساء"، ولكنه مضى يوقِّع على مقالاته، الأمر الذي يجعلنا نذهب إلى أن نموذج المقال الافتتاحي كان موجودًا بالقياس إلى هيكل وطه حسين، حين اختار الأول "حديث اليوم" لمقاله في "السياسة", وحين اختار الثاني "حديث المساء" لمقاله في "كوكب الشرق". على أننا نلاحظ إيثار طه حسين لكلمة "الحديث" في اختيار عنوان مقاله الثابت، فوجدناه يختار "حديث الأربعاء" لعموده الثقافي، وحين ينتقل إلى "كوكب الشرق" يجد فيها المقال الافتتاحي معنونًا بـ"مسألة اليوم"٤ الذي يكتب فيه بضعة مقالات, إلى أن تظهر الصحيفة في ثوبها الجديد بعد


١، ٢ الدكتور حمزة: مرجع سبق ٢٣٠, ومن ذلك مقال للسيد علي يوسف بعنوان: "حفلة الوداع" وخطبة اللورد كرومر, المؤيد في ٧ مايو ١٩٠٧.
٣ عبد العزيز شرف: مرجع سبق ص٢٤٦.
٤ كوكب الشرق في ٨ مارس ١٩٣٣.

<<  <   >  >>