للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- المقال الوصفي والتقرير الصحفي:

نقرن بين المقال الوصفي والتقرير الصحفي عند طه حسين عن عمد؛ لأنه يُقَرِّبُ المسافة بين الأدب والصحافة، حيث يغدو هذا الفن المقالي متميزًا بالإيجاز في التعبير, والواقعية في التصوير، والحديث عن شخص بعينه، أو مكان بعينه, أو ظاهرة بعينها، على غير ما نجد في الوصف الأدبي الذي يقوم على نقل أحاسيس الكاتب وصورة الواقع كما تنعكس على مرآة نفسه، ومن ذلك ما نجد في مقالات أحمد أمين في "وحي البحر" و"بجوار شجرة ورد" و"مع الطير"١، وكما نجد عند ميخائيل نعيمة في "الصخور"٢, وعند الرافعي في "الربيع"٣, ذلك أن المقال الوصفي عند طه حسين يقرب أن يكون تقريرًا صحفيًّا لارتباطه بأغراض الصحافة ومراميها ومستويات جماهيرها، وهو لذلك يعتمد على الدقة التامة في وصف الواقع الملموس، وعلى إيراد الشواهد التي يشتقها من الحوادث التي يدركها، وعلى ربط هذه الشواهد كلها بحياة الأفراد في المجتمع. وقد تعرَّفْنَا على مظاهر من ذلك في أسلوب طه حسين ونمذجته الصحفية، التي تتيح له في المقال الوصفي خاصة أنه يتوسَّل بالكلمات والجمل في نمذجة المشاهد والحوادث والمعاني والآراء السياسية والذهنية على السواء، من خلال إحساسه الفني وليس بالخيال كما يذهب الوصف الأدبي، ذلك أن السليقة الفنية تتيح له أن ينمذج الواقع في نماذج حسية مجسمة، من خلال التشكيل العملي للرموز اللغوية، تشكيلًا تطبيقيًّا وظيفيًّا.

ومن ذلك التوسُّل بالمقال الوصفي في "التنوير" على النحو المتقدِّم في مقالات "من بعيد" التي نُشِرَت في "السياسة" قبل أن تجمع في كتاب، ومقالات "رحلة الربيع والصيف" قبل أن تجمع في كتابين أيضًا, وغيرها من المقالات التي تصوّر الغرض التنويري الواضح بعالم جديد، وتنمية التقمُّص الوجداني والتفتح السمح في نفض غبار التخلُّف، وتيسير السبل أمام التجديد والمعايير العصرية، ولذلك يستعين بسليقته الفنية في الوصف الصحفي، ويجمع


١ أحمد أمين: فيض الخاطر جـ٢ ص, أو جـ٣ ص٢٥٩ وجـ٤ ص٦.
٢ ميخائيل نعيمة: البيان ص١٧٣.
٣ مصطفى صادق الرافعي: وحي القلم جـ١ ص١٢, الدكتور محمد يوسف نجم: مرجع سبق ص١١٤.

<<  <   >  >>