نتحدث في هذا الفصل الأخير عن فنٍّ مقالي جديد في صحافة طه حسين، ونعني به المقال التحليلي وارتباطه بالتقويم الصحفي.
ويقوم هذا الفن المقالي على ارتباطه بحدث جديد تجذب حيويته أذهان الناس وانتباههم، أي:"بالحدث الحي١" -إن جاز هذا التعبير، بالقياس إلى الناس, أو بالقياس إلى الكاتب نفسه، حين لا يجد بُدًّا من لفت انتباه الناس إليه. ولهذا فإن "التحليل الصحفي" يتعيّن عليه أن يطفئ رغبة ما لدى القارئ, سواء أدرك هذه الرغبة بنفسه, أو كانت هناك مصلحة -قد لا يتبينها القارئ- لتبصيره بها٢.
وبالقياس إلى الدكتور طه حسين، فإن التحليل الصحفي والتحليل الثقافي الذي تحدَّثنا عنه في "العمود الثقافي" يصدران عن رؤيا وظيفية شاملة، تجعل من المقال همزة الوصل بين العمل الغامض أو الصعب، وبين القارئ، متوسِّلًا في ذلك بكفايات عديدة جعلت منه مبسطًا بارعًا، كما تقدَّم، إلى جانب اطلاعه المتجدد على عديد من الموضوعات التي ترفد التحليل الصحفي كالتاريخ والعلوم السياسية وعلم الاجتماع وعلم النفس. كما أنه متجدد الاطلاع على الصحف المعبِّرة بالفرنسية في مصر وأوربا، إلى جانب الصحف العربية، وهذا النوع من الاطلاع يصدر عن عقلية ناقدة تتيح له استخدام أخبارها وتحليل اتجاهاتها من خلال تقويم صحفي يقوم على إدراك العلاقات واستخراج التعميمات منها. والدلائل على مقدرته هذه في مقالاته الصحفية، أكثر من أن تحصى، ولكن إذا كانت القدرة على التنبء هي مقياس التحليل الجيد، فمن الجدير بالملاحظة أن طه حسين قد تنبأ بأحداث سياسية عدة، وأحداث اجتماعية عديدة، قُدِّرَ لها أن تتحقق، مثل تنبئه باستقالة الوزارة النسيمية في العشرينات, والوزارة الصدقية في الثلاثينات, وما إلى ذلاك.