للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تطوير المجتمع المصري، تأسيسًا على أن حرية المرأة هي أساس جميع الحريَّات الأخرى ومعيارها. ذلك أن حقوق المرأة قد تطورت مع تطور المجتمع البشري١.

ولم تلبث هذه الرؤيا الاجتماعية الجديدة أن شغلت أذهان الشباب الذين ذهبوا إلى التفكير في الأمر جديًّا، يرى فيه أكثرهم مروقًا من الدين وتمهيدًا للإلحاد، ويرى بعضهم أنه حقٌّ، وأنه الوسيلة الوحيدة لخلق شعب حرٍّ يدرك الحياة إدراكًا صحيحًا، كما أنه "العدل كل العدل ألّا تُحْرَمَ المرأة من نور الحياة ومن نور العلم الذي يريدها للحياة إدراكًا وتقديرًا صحيحً"٢.

ولم تلبث هذه البادرة القومية -كذلك- أن تمخَّضَت عن معناها العملي الدائم، الذي شوهد في واقع الحياة المصرية بعد ذلك, وبرزت حقيقته في كل مهمَّة تتطلب الرجال العاملين من المفكرين المؤمنين بفريضة الإصلاح ورسالة التَّقَدُّمِ, فقد أعاد هؤلاء وغيرهم من تلاميذ الإمام إلى العقل المصري المستنير، الثقة بعقيدته في هذا العصر الحديث، ورفع من طريقه إلى العمل عقبات المجتمع التقليدي: الجمود والخرافة والتقليد؛ لأنه زوَّدَه على قواعد دينه بفلسفة الحياة التي يقابل بها "فلسفات الغرب المتسلطة عليه من جهة السطوة, أو من جهة الإيمان بالعقائد والآراء"٣. فسار المجتمع المصري في طريقه إلى التطور يأخذ من القديم والحديث ما ساغه ذوقه، وأحسَّ بنفعه العام له، وظلَّ القديم الصالح يعمل عمله، وكَمُنَ ما تصوَّر البعض أنه غير صالح في أطوار المجتمع، ولم تنعدم وظيفته انعدامًا تامًّا، ومن هنا تحول التليد والطارف إلى ما يشبه الصراع النفسي في أطواء الوجدان الشعبي، وفي مكنون الوجدان الفردي معًا، وصوَّر الأدب الفصيح والشعبي٤، كما صوَّرت الصحافة المصرية تطوَّرَ هذا الصراع.

وإذا كان الكيان الاجتماعي في مطلع هذا القرن كما صوَّره الأستاذ الإمام، يقوم في لبابه على "فلسفة أخلاقية"٥, فإن ذلك لم يكن سهوًا عن عمل التجارة والصناعة، ولا عن عمل النظام العادل في سياسة الناس, ولكنه كان يعتقد أن الجهل فقرٌ أشد على الناس من فقر المال، فليست بلادنا كما يقول الأستاذ الإمام "بلاد الجوع القتال، ولا بلاد البرد القارس المميت، ولا بلاد الشقاء التي لا ينال الإنسان فيها قوت يومه إلّا بالعذاب الأليم، بل


١ قاسم أمين: المرأة الجديدة ص٣٨.
٢ الدكتور محمد حسين هيكل: مذكرات جـ١ ص٢٥.
٣ عباس محمود العقاد: محمد عبده ص٢٩٤.
٤ الدكتور عب الحميد يونس: مجتمعنا ص٤٧.
٥ عباس محمود العقاد: مرجع سابق ص٢٩٨.

<<  <   >  >>