للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتوسَّلُ بخصائصها مع الخصائص الجاحظية في النقد والتوجيه من خلال شكل الرسائل.

وقد ظهرت الرسائل الفارسية لمونتسكيو، في عصر يشبه عصر رسائل طه حسين في عصر الوصاية, ووسط فورة الأفكار والأهواء الخاصة١, ولذلك اتسمت بنقد النظم السياسية وتشخيص الداء، كما نجد في رسائل طه حسين التي "وقعت له ولم يعرف، على طول البحث، وشدة الاستقصاء كاتبها، ولا من كتب إليه"٢. يتوسَّلُ فيها بالرمز الذي شاع بين الصحف المصرية جميعًا "وكان الملك يثور ويغضب بسببها, ومن حوله لا يدرون ما يصنعون, وأصدر أمره مرَّةً إلى فؤاد سراج الدين أن يصدر قانونًا يمنع نشر أيَّ خبر إلّا بذكر اسمه صراحة"٣. ولذلك يقول طه حسين في رسالة بعنوان: "قلب مغلق"٤.

"إنما أنت رجل محصَّن، لا يبلغه العدو ولا يصل إليه الصديق, وأكاد أعتقد أن ليس لك عدو ولا صديق. شُغِلْتَ بنفسك حتى يئس الناس منك، وأعرض الناس عنك، فلم يطمع فيك منهم طامع, ولو قد فعل لما نال منك شيئًا، ولم يعطف عليك منهم عاطف، ولو قد فَعَلَ لما نالك منه شيء, والناس مع ذلك لا يرون شيئًا من هذا الحصن المؤشب الذي حصَّنْتَ فيه نفسك، ولا من هذه الحُجُبِ الصِّفَاق التي قامت بينك وبينهم"٥.

ويوظِّفُ هـ حسين رسائله الفنية في النقد الهجائي للنظام الاجتماعي والسياسي في مصر "١٩٤٦-١٩٤٩" كما فعل "مونتسكيو" في نقده الهجائي لفرنسا "١٧١١-١٧٢٠"٦، بما في النظام المصري من إقطاع بغيض يجلس الملك على قمته٧، يمتصُّ دماء أمة الفلاحين وعرقهم؛ يقول طه حسين:

"تسرع إليهم حين ينعمون لتشارك في نعيمهم, على أن ذلك حقٌّ لك لا ينبغي لأحد أن يَرُدَّكَ عنه أو يجادلك فيه، ولعلك تأخذ من هذا النعيم -إن أتيح- بحظٍّ أعظم من حظوظهم، ولعلك تنظر إليهم وهم يأخذون بحظوظهم المتواضعة الضئيلة, ساخطًا عليهم ضيقًا بهم مزدريًا لهم"٨.


١ جوستاف لانسون "وترجمة الدكتور محمود قاسم": تاريخ الأدب الفرنسي جـ٢ ص٤١، ٤٣.
٢ مرآة الضمير الحديث ص٤١.
٣ أحمد بهاء الدين: مرجع سبق ص١٠٣.
٤، ٥ مرآة الضمير الحديث ص٥٦, مجلة الهلال في فبراير ١٩٤٧.
٦ جوستاف لانسون: مرجع سبق ص٤٣.
٧ أحمد بهاء الدين: مرجع سبق ص٤٨.
٨ مرآة الضمير الحديث ص٥٩، ٦٥.

<<  <   >  >>