للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن حيث هي مصدر لشعور الجماعة بحقِّها وتقديرها لواجبها وثباتها للخطوب واحتمالها لأثقال الحياة، متوسلًا في أداء أغراض التثقيف بفنون مقالية جديدة هي: فن العمود الثقافي، وفن المقال التنويري، وفن المقال النقدي.

وإذا كانت دراسة التحرير الصحفي ثمرة للتفكير في الآثار الصحفية لتقويمها، ببيان زيفها من صحيحها، وتفسير نواحيها الفنية، ثم الحكم عليها، فإن أساليب التحرير الصحفي لا يمكن أن تنفصل بحال عن المضمون، ولذلك تذهب هذه الدراسة إلى الارتباط الوثيق بين التدعيم والأصالة من جهة، وبين التغيير ومظاهر التجديد في المقال الصحفي من جهة أخرى, وهذا ما تحاول هذه الدراسة تقديمه، ولكنها تدرك أن قواعد التحرير الصحفي وأصوله، غالبًا ما تكون لاحقة للإنتاج الصحفي؛ لأنها تقويمٌ لشيءٍ سبق وجوده، ولكن أقدم صورة لفنون التحرير تتمثَّل في رؤية الكاتب لما ينتجه، وهو في عمله هذا يبذل جهد الناقد.

ومن الجليِّ أن دراسة التحرير الصحفي تمسُّ الصحافة في حاضرها لتوجهها في مستقبلها، ولهذا كانت لدراسة التحرير الصحفي المعاصر أهمية خاصة, ولكن ينبغي ألَّا يشغلنا ذلك عن دراسة فنون التحرير الصحفي في تطورها، فليست هذه الفنون مجرَّدَ نظريات تجريدية تعبِّر عن ذاتية قائليها، أو حاجات عصر انقضت صلتنا به، كما قد يُتَوهم، ولكنَّ هذه الفنون تطبيقية، وظيفية، الأمر الذي يجعل لدراسة فنون التحرير في الماضي آثارًا بعيدة المدى في إدراكنا للتحرير الصحفي في الحاضر، فنحن نفيد منها الأساليب المنهجية التي اتبعها الكتَّاب في تحرير مقالاتهم وصحفهم، بوصفها مجهودات متتابعة تعالج الحياة الواقعة في فنون تحريرية، على حسب مبادئ وحجج قد تختلف من كاتب إلى آخر, ومن عصر إلى آخر، ولكن يمكن عرضها ومقارنتها مجرَّدة من خصائصها الموضعية، بحيث تساعد على التعرُّف على فنون التحرير الصحفي الذي تعلمت منه سائر الفنون الإعلامية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون والسينما، واشتقت منه أشكالها وفنونها وأساليبها وطرائقها، كما تساعد على تربية الذَّوْق عند طلاب التحرير الصحفي، وعلى السموِّ بغاياته، إلى ما لها من أهمية تاريخية خاصة، وما تشير إليه قواعد التحرير وأصوله من وسائل للتحليل والإحاطة بجوانب الموضوعات, لا بوصفها مبادئ أو قوانين مطلقة يلتزم بها الكاتب التزامًا لا يحيد عنه، إذ هي في تغيُّرٍ مستمر تبعًا لما يحفها من متغيرات، وحياتها في هذا التغير؛ إذ لكل عصر مقاييسه الخاصة في فنه الصحفي والإعلامي.

وانطلاقًا من هذا الفهم، فإن هذه الدراسة لا تهدف إلى أن "تقنِّنَ" في الصحافة، كما اتجه العصر الكلاسيكي في القرن السابع عشر والثامن

<<  <   >  >>