تلقاها في صحفهم الهازلة كما تلقَّاها في صحفهم الجادة"١. ويذهب إلى أن الصحافة المصرية لم تتمثَّل هذه الوظيفة تمثلًا صحيحًا؛ لأن كُتَّابها "لا يرفقون بقرائهم، بل يكتبون في الصيف كما كانوا يكتبون في الشتاء، فإن أخذوا بحظٍّ من هذا الرفق امتنعوا عن الكتابة امتناعًا، وصدوا عنها صدودًا، وأراحوا أنفسهم من الكَدِّ واستمتعوا بفترة قصيرة من الهدوء الذي أُهِّلَ له. ولكن الصحف لا بُدَّ من أن تظهر ولا بُدَّ من أن تظهر ممتلئة الأنهار. وهنا يلقى أصحاب الصحف من صناعتهم الجهد كل الجهد، ويلقى القراء من صحفهم العناء؛ أولئك يريدون أن يملأوا الصحف فلا يجدوا ما يملأونها به، وهؤلاء يريدون أن يقرأوا فلا يجدوا ما يقرأون, وكذلك يصبح الصيف فصل الكساد الأدبي"٢.
ويذهب طه حسين إلى علاج هذا الكساد عن طريق تمثُّلِ وظيفة الإمتاع على النحو الأمثل، عن طريق الاجتهاد في تغيير الأحاديث التي تعين الناس على استقبال الحياة واحتمالها ومعاشرتها "كما يفعل غيرنا من الناس"٣. غير أن وظيفة الإمتاع والمؤانسة لا تتجاوز حدودها "فيصبح ضررها أكبر من نفعها"، ذلك أن وظيفية المقال الصحفي عند طه حسين تتصف بالتوازن والاتزان، فلا تسرف في الجدِّ إلى حَدِّ العبوس، ولا تتطَّرف في الترفيه إلى حَدِّ العبث, وإنما تسد الحاجات الإنسانية بما فيها من جوانب جادة وأخرى ضاحكة, ولذلك وجدنا اليوميات الصحفية تمثل الانتقال دائمًا "من لغو الصيف إلى جد الشتاء".
وفي ضوء هذه الرؤيا الوظيفية لليوميات الصحفية، يذهب طه حسين إلى ابتداع أساليب جديدة في تحقيق الوظائف الجادة والضاحكة, ومن هذه الأساليب التوسُّل باليوميات في النقد والتقويم، من خلال تصوير نموذج من نماذج الحياة السياسية أو الاجتماعية العامة، يسجِّل "يوميات" تصور سلوكه من خلال خواطره وأفعاله، وتكشف عن جوانب الضعف في هذا النموذج، عن طريق الاعتراف الوظيفي الذي لا يأخذ من الخيال الأدبي سوى ابتداع القالب والأسلوب. ويبقى بعد ذلك متَّصِلًا بالواقع مستمدًا منه موضوعه، فينكر ما شاء من الأوضاع الغريبة في المجتمع أو في نظام الحكم، ويفلت في الوقت نفسه من سلطان الرقيب, ونذكر من ذلك ما نشره في "أحاديث الأسبوع":