للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحكم وتصريف الأمر. ورأوا أن في هذا النظام أصولًا يجب أن تزول، وأن تَقَرَّ مكانها أصول أخرى، رأوا أن الانتخاب العام المباشر لا يوصلهم إلى الحكم، ولا يضمن لهم كثرة الشعب، ورأوا أن سلطة البرلمان إذا اتسعت وبعدت حدودها لا تمكنهم من البقاء في الحكم إن أوصلتهم إليه المصادفات, ورفعتهم إليه الظروف، فأرادوا تخصيص الانتخاب وتضييقه, وأرادوا تقييد سلطان البرلمان والقصِّ من جناحه, وحاولوا أن يدعوا إلى ذلك فلم يفلحوا، وألَحُّوا في المحاولة فلم يستجب لهم أحد، ولم يؤمن لهم إنسان"١ إلخ.

وهكذا يتدرَّج مع القارئ في حديث ممتع موجَّه إليه، مع إيناس في السرد، مما يشعر قارئه بأنه إنما يستمع إلى صديق يحدثه, لا إلى كاتب يعيش في برجه العاجيّ يلقي الكلمات إليه في استعلاء. وهذه الخصيصة في مقال طه حسين هي التي تُيَسِّرُ لمقاله الرئيسي أداء مهمة من أخصِّ المهام في هذه المادة الصحفية، ونعني: الإقناع عن طريق الشواهد والأمثلة المشتقة من الأحداث الجارية. وعند طه حسين نجد أن هذه الشواهد تتسع لتشمل الأحداث التي جرت في الماضي, والتجارب الإنسانية التي اختزنها في ذاكرته، إما بطريق الممارسة وإما بطريق الاطلاع. وقد وسمت هذه الوظيفة الإقناعية مقال طه حسين الصحفي، بحيث تثبت له تقوفًا في تحرير هذا المقال؛ لأنها تظهر ثقافته واطلاعه ووقوفه على التاريخ العام والتاريخ الخاص. ومن ذلك ما كتبه في المقال المتقدِّم، يستشهد به على حق الناس في مقاومة الاستبداد الذي يحكم به صدقي مصر، فيقول:

"وربما كانت هذه الأيام التي تبتدئ العام الهجري الجديد، وتذكِّر المسلمين بتاريخهم حافلةً بالعبَر والعظات لمن أنساهم الغرور، فوجب عليهم أن يتذكَّروا. فإن الداعي إلى الإسلام، والمؤسس لهذه الدولة الإسلامية، لم يُهِنْ أحدًا، ولم يفرض على الناس دينه فرضًا، ولم يأخذهم بهذا الدين كرهًا، وإنما دعا الناس إليهم رفيقًا بهم، محبًّا لهم، شفيقًا عليهم, ولقي منهم في سبيل هذا الرفق عنتًا، وفي سبيل هذا الحب بغضًا، وفي سبيل الإشفاق قسوة وعنتًا، وما زال يدعوهم إلى سبيل رقة بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن، فيستجيب له خيارهم, ويلقاه شرارهم بالبغي والعدوان، حتى ظهرت كلمة الله, وانتشر نوره وعَزَّ دينه، فآمن له الثائرون به، والمتنكرون له"٢.

ثم يخلص من ذلك المثل الذي يستشهد به في مناسبته إلى قوله:


١ كوكب الشرق في ٢٨ أبريل ١٩٣٣.
٢ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>