للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تستعصي على كثيرين من الكُتَّاب -متى قصدوا إليها- وكانت سياسة صحفهم ترمي إليها".

وفي مقال طه حسين، نجد القصد واضحًا في مهارته الصحفية التي تصل قراءه به، وتبين خصيصة التوجيه والإرشاد في مقاله من قوله:

"ليس من الأشياء التي تُحَبُّ أو يُشْتَدُّ إليها الميل، أن تلقى دروسًا في الأخلاق على قوم يجب أن يكونوا قدوة في حسن الأخلاق، بل ليس من الأشياء التي تُحْتَمَلُ، أو تبتغي أن تلفت الوزراء السابقين واللاحقين إلى هذه الواجبات اليسيرة التي تفرضها الأخلاق.

"وحسب الكتاب أن يلفتوا الوزراء والمشتغلين بالحياة العامَّة إلى الواجبات السياسية التي تفرضها المصلحة العامة وتحتِّمُها الأخلاق في خدمة الشعوب. والأمر يزداد مشقَّةً وعسرًا حين يتصل العهد بالسابقين واللاحقين من وزراء هذا العهد السعيد، فهم معصومون من الخطأ، مبرؤون من العيب، منزَّهُون عن هذه الخصال التي يمكن أن تشين مثلك ومثلي من عامة الناس"١. ويخلص من سخريته بالوزارة القائمة إلى تأكيد خصيصة التوجيه التي لا يقبلها خصوم طه حسين. يقول:

"وإذا كانت هذه حالهم فنحن جماعة الكُتَّاب نَتَجَنَّى عليهم, ونتجاوز الحدود في أمرهم حين نزعم أنهم قصَّروا في السياسة, أو أخطأوا في سبيل المنفعة العامَّة، أو أهملوا حقًّا من حقوق الناس وهُمْ كرام إلى أقصى حدود الكرم، حلماء إلى أبعد آماد الحلم، يقبلون منا التجني, ويعفون لنا عن النقد, ولا يخاصموننا في ذلك إلّا قليلًا، وقد يقرينا كرمهم فنغلو في النقد، ويطمعنا حلمهم فنغرق في التجني، وهم مع ذلك لا يغضبون ولا يعبسون، وإنما يمضون في العفو ويلحُّون في العطف، ويريحون النيابة من التحقيق، ويريحون المحاكم من القضاء، ويريحون الشرطة من أخذ الناس، ويريحون الناس من عنف الشرطة، ويعصمون أجسامهم من وقع السياط. فكيف بنا إذا تجاوزنا السياسة وشئونها, ونقدنا الوزراء السابقين واللاحقين فيما يتصل بأعمالهم وأقوالهم مما يتَّصل بالأخلاق. ولكن صناعة الكتابة، والكتابة في الصحف بنوع خاصٍّ؛ تدعو إلى شيء من التطفُّل؛ وتدفع أصحابها إلى أن يدخلوا فيما لا يعنيهم؛ ويعرضوا لما لا ينبغي أن يعرضوا له، ويقولوا فيما لا ينبغي أن يقولوا فيه. وأكبر الظن أن الوزراء السابقين واللاحقين من رجال هذا العهد السعيد سيعفون للكُتَّاب عن هذا التطفُّل كما يعفون لهم عن ذلك التجني


١ كوكب الشرق في ٢١ أكتوبر ١٩٣٣.

<<  <   >  >>