برجسون "بالموقف الوعر". فيصف الواقع السيء بعبارات الاحترام الرقيقة Respactability, ويذهب إلى كشف تنظيم أخلاقي للأخلاقية من خلال حدَّيْن أقصيين للمقارنة، هما الأكبر والأصغر، الأحسن والأسوء. ويتم النقل بينهما صعودًا أو هبوطًا، فإذا ضاقت المسافة قليلًا، تحصل على حدود يقل التضاد بينها شيئًا فشيئًا، كما يبين من النموذج السابق حين يكشف المقال عن تعارض الواقعي والمثالي، تعارض ما ينبغي أن يكون وما هو كائن، يقول طه حسين:
"لهذا كله عجب أشد العجب, حين أقبل علي جماعة من الناس قد أضناهم الجوع, وأنهكهم الحرمان, وظهرت عليهم آثار السوء, وضعفت أصواتهم؛ لأنهم لا يجدون ما يقيم أودهم, ويمكنهم من أن يتحدثوا إليك في صوت ظاهر ممتلئ مستقيم، ولم أشك حين رأيت هؤلاء الناس البائسين المحرومين في أنهم جماعة من الأجانب الذين مسهم الضر في بلادهم, وضاقت بهم الحياة في أوطانهم، فأقبلوا إلى مصر يلتمسون فيها اليسر والسعة, ويفزعون إلى ما فيها من النعيم والرخاء. ولكنني لم أكد أتحدث إليهم وأسمع منهم حتى اشتد عجبي وانتهى إلى أقصاه؛ لأني علمت أن هؤلاء الناس مصريون، نعم مصريون!! "١.
ومن ذلك يبين الاستخدام الوظيفي لعنصر التضاد في المقال الكاريكاتيري من خلال النقل بين الاتجاهين المتنافرين، فتارة يقول طه حسين ما ينبغي أن يكون متظاهرًا بالاعتقاد بأن هذا هو الكائن، وعلى ذلك يقوم التهكم Ironie, وتارة يمضي في عكس هذا الاتجاه فيصف ما هو كائن أدق الوصف بأن هذا ما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وتلك هي طريقة السخرية الكاريكاتيرية.