للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"يكون في الأدب والفن، والذوق يكون في الحياة الاجتماعية اليومية، ويكون خصلة من خصال الشعب الذي عظم حظُّه من الحضارة وإمعانه فيها"١. ويعرِّفُ "بعض المعاجم الذوق بأنه: ملكة طبيعية تسبق التفكير, وتعين على تمييز الجيد من الرديء، والحسن من القبيح, وما يليق مما لا يليق، ويقول هذا المعجم: إن لكل إنسان من هذا الذوق حظًّا، ولكن هذا الحظ يقوى ويضعف باختلاف ما يكون عليه الإنسان من ثقافة وحضارة واتراف في العقل والقلب والضمير.. ويقال كذلك: إن الذوق يتغير بما يصيب الحضارة من تطور, فيفسد بعد صلاح، ويقبح بعد حسن، ويشيع فساده وقبحه بمقدار ما يصيب الحضارة من ضعف وانحطاط"٢. ويذهب طه حسين إلى أن الذوق كثيرًا "ما يفسد حين يطرأ على الحضارة المستقرة المطمئنة التي بعد بها العهد, وألفتها النفوس, وتوارثتها الأجيال, طارئ عارض عنيف يغير من سيرة الناس في حياتهم المادية أولًا، ثم في حياتهم العقلية بعد ذلك"٣.

ويذهب طه حسين إلى أن فساد الذوق الناجم عن إفساد الإنسان "يغير من جمال الطبيعة, ويغير كثيرًا من حقائق الأشياء، تدفعه إلى ذلك مصالحه العاجلة أحيانًا"٤, ويؤدي إلى الخطأ في "الحكم والتقدير"٥، وهو لذلك يبدي "حذرًا وتواضعًا معقولين" في التقويم الصحفي، فيبحث ويستقصي٦، ويلفت القراء "إلى طبيعتهم الديمقراطية الحرة، وإلى ما تصب عليهم الظروف والأحداث من الفساد المتصل, الذي يحولها عن أصلها الجميل السمح إلى شيء آخر بعيد كل البعد عن السماحة والجمال"٧، ويتوسَّل بذوقه السليم إلى تذوق الأحداث والأنباء من "صحف لا تحصى, ولا يحصى ما فيها من الكلام، تصابح الناس وتماسيهم، وثرثرة لا تحصى في الراديو تصابح الناس وتماسيهم، وهراء كثير لا يُحْصَى يشغل الناس عن أنفسهم وعن حياتهم، وعن آمالهم وعن آلامهم"٨.

ويتجه به الذوق الصحفي السليم إلى معرفة اهتمامات القراء، كما تبين من اتجاهه القويِّ إزاءهم، وكما يبين من ملاحظته للصحف المصرية في فصل الصيف حين لا تُعْنَى إلا بشيئين اثنين "أحدهما: موسم الامتحانات وما يثير من ضجيج وعجيج, ومن شكاة واستعطاف, ومن نقد للأسئلة ولومٍ للسائلين، والثاني: مصايف البحر وما تثير من هذا السخط الذي تمتلئ به نفوس جماعة


١، ٢، ٣ بين ص٨٦، ٨٧، ٨٨.
٤، ٥، ٦ المرجع السابق ص٩٢.
٧ المرجع نفسه ص٩٣.
٨ المرجع نفسه ص١٥٢.

<<  <   >  >>