للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبين من هذين النمطين بنية المقال الصحفي أن الكاتب قد يتوسّل بالهرم المقلوب أو بالهرم المعتدل في بنية المقال، على أن النمطين يتوسَّلان بأدوات التحليل الاستقرائي في تحرير المقال الصحفي بصفة عامة.

ويمكن أن نستخلص سمات هذا التحليل في بناء مقال طه حسين فيما يلي:

أولًا: الاهتمام بمحور المقال

ومقدمته، ومدخله التمهيدي، ومظاهر هذا الاهتمام في مقال طه حسين تتلخَّص فيما يلي:

١- العناية بعنوان المقال:

يتميِّز عنوان المقال الصحفي عند طه حسين بأنه عنوان "إعلامي" يشير إلى مضمون المقال، وأغلب الظن أن طه حسين قبل أن يشرع في إملاء المقال يكون قد تصوَّر عنوانه ومدخله وشواهده وخلاصته، ولذلك وجدنا هذا العنوان يرتبط ارتباطًا عضويًّا بمقدمة المقال، ومحوره وخلاصته، رغم أن هذا العنوان في كثير من الأحوال لا يتجاوز الكلمة الواحدة، ولذلك فإن قدرة طه حسين في انتقاء هذه الكلمة المعبِّرة الإعلامية ميزةٌ يمتاز بها بين الكثيرين من معاصريه، كما أن اتجاه العنوان إلى هذا التركيز الإعلامي يوحي بأن صلة القرَّاء بالكاتب كانت قد تمكَّنَت وتوثَّقت عراها، بحيث يخيل إلينا أن القارئ حين يقرأ عنوان المقال عند طه حسين يجد نفسه مشوقًا إلى معرفة الدلالات التي تكثفها هذه الكلمة الواحدة, التي تجمع في حروفها الدلالة العامة التي استخلصها من شواهده وأخباره واستقرائه، ونجد من ذلك على سبيل التمثيل للارتباط العضوي بين العنوان ومحور المقال ومقدمته، هذا العنوان:

"مفاوضات١":

"ليس موضوعها استقلال مصر، فقد انقضى ولو إلى حينٍ ذلك العهد الذي كانت تُعنى فيه الوزارات, أو تستطيع فيه الوزارات أن تُعنى بالمفاوضة في استقلال مصر, وأصبحنا والحمد لله في عهد سعيد تُشْغَل الوزارات فيه عن الاستقلال بما هو أجلّ من الاستقلال خطرًا، وأبلغ من الاستقلال تأثيرًا في حياة مصر، فإذا أتيح لها أن تفكر في الاستقلال واستكماله, فإنما تفكِّر في ذلك لتدخله في بيان من هذه البيانات التي تذاع يوم تؤلف الوزارات٢".

وهكذا يبين من الضمير في كلمة "موضوعها" أن الضمير عائد على عنوان


١، ٢ كوكب الشرق في ١٩ أكتوبر ١٩٣٣.

<<  <   >  >>