للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه مدارس لم يكن لها عليها سلطان فيجب أن تظلها بجناحها، وهذه مدارس حُرَّة قد يجد التعليم فيها من السعة ما لا تحب, فلتشرِّع لها القوانين التي تردها إلى حيث تريد هي من الضيق, وهؤلاء أبناء الشعب يقبلون على التعليم أفواجًا, فلتتخذ العدة لمقاومة هذا الإقبال الخطر. وأي شيء أخطر على مثل هذا السلطان الذي لا يريد أن يكون له حدٍّ من إقبال الناس على فروع التعليم الراقي.

هذا وزير المعارف يعلن في مجلس النواب أن لا بُدَّ من تضييق التعليم الثانوي والعالي؛ لأنهما يخرجان من الشبان المثقفين أكثر مما ينبغي. فلنتوسَّع في التعليم الأوليِّ لنحارب الأمية, ولنتشدد في التعليم الثانوي والعالي؛ لنقلِّلَ عدد العاطلين في ظاهر الأمر, ولنضعف الخطر على السلطان الذي لا حدَّ له في حقيقة الأمر، ولندع التفكير في أن التعليم على اختلاف ألوانه حق للناس جميعًا يرديونه متى شاءوا وما استطاعوا أن يريدوه, لا يقيدهم في ذلك إلّا الامتحان والقدرة على النهوض بأثقاله.

نعم ولندع التفكير في أن الرقي الصحيح لأمَّةٍ من الأمم رهين بانتشار الثقافة الصحيحة الخصبة التي يجدها الشبان في المدارس الثانوية والعالية وفي الجامعة، وأن الخطر الكبير على النظام الاجتماعي والسياسي معًا إنما يأتي من الغُلوِّ في نشر التعليم الإلزامي, والتقصير في نشر التعليم الراقي؛ لأنه ييهيء للبلاد جيشًا في إنصاف المتعلمين, أو أثلاث المتعلمين, أو أرباع المتعلمين الذين لا يرون الأشياء كما هي, ولا يقدرونها كما ينبغي أن تُقَدَّر, ثم لا يهيئ لهذا الجيش الخطر من المثقفين قادة مهرة يردونه عن الشطط, ويقودونه إلى الرقي والخير.

ولندع التفكير في هذا كله, فهناك ما هو أهم من هذا كله وأجل خطرًا, وهو أن يستطيع السلطان الذي لا حدَّ له أن يستغرق كل شيء, ويستأثر بكل شيء, ويوجه الأمة إلى حيث يريد هو لا إلى حيث تريد آمالها ومنافعها ومثلها العليا في الحياة.

كل شيء ضيق من حولنا, وليس الغريب أننا لم نرق في هذا العصر الذي خضعنا فيه لهذا السلطان، وإنما الغريب أننا لم نتأخر, بل ثبتنا حيث كُنَّا حين أنعم الله علينا بالوزارة القائمة.

وليس الغريب أن عقولنا لم تزدد سعة وأن إرادتنا لم تزدد قوة وأنا لم نشق لأنفسنا طرقًا جديدة في العلم والسياسة وغيرهما من فروع الحياة، وإنما الغريب أن عقولنا وإرادتنا ما تزال بحيث كانت من السعة والقوة، وأنَّا مازلنا نقاوم ظافرين هذه العوادي, والمختلفة التي سلطت علينا من كل ناحية وأخذت علينا كل سبيل. نعم خير ما يستطيع المصري أن يقدمه لوطنه في هذه الأيام

<<  <   >  >>