للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى أن "الاستقلال وسيلة لا غاية. إننا نطلب الاستقلال لتكون لنا الحرية الكاملة في تدبير حياتنا والأخذ من لذَّاتها المختلفة بأعظم نصيب, نطلب الاستقلال لنسعد لا لنكون مستقلين"١.

وتأسيسًا على هذا الفهم يذهب طه حسين في اتجاه مدرسة الجريدة فيكتب افتتاحيات يدعو فيها إلى "عناية المصريين بتاريخ مصر"٢، كما ينشر في "الأهرام" الكثير من المقالات عن الحضارة التي يجب أن يكون الاستقلال وسيلة إليها٣.

ويكتب مقالات عَمَّا ينبغي أن يُبْذَلَ في سبيل الفنون والعلوم والآداب كسبيلٍ إلى الحضارة٤, ذلك أن طه حسين قد اشترك في البيئة الصحفية الثانية في الوقت الذي "ظهر فيه نشاط مصر كلها للسعي إلى الاستقلال والإلحاح فيه, والمطالبة بأن تعترف لها الأمم به وتقرها المم منه على ما تريد, في الوقت الذي كان المصريون يثورون فيه على ضفاف النيل ليظفروا باستقلالهم السياسي يضحون في سبيل ذلك بالأنفس والأموال"٥، ويذهب طه حسين إلى أن هذا الاستقلال وسيلة وليس غاية في ذاته، فالنهضة المصرية لا ينبغي أن تكون "كلامًا ولغوًا، ولا محاولة من هذه المحاولات التي لا تجدي وإنما هي حقيقة واقعة تصوّر شعبًا قد استيقظ بعد نوم، ونشط بعد فتور، ووصل جديده بقديمه, وأبى إلا أن يكون هذا الجديد ملائمًا لذلك القديم"٦، لذلك ينظر طه حسين إلى تصريح ٢٢ فبراير ١٩٢٢ على أنه "أتاح لمصر مظاهر الاستقلال وشيئًا من حقائقه, مهما يكن قليلًا فإن له ما بعده" ولكن السعديين كانوا ينكرون بهذا التصريح ويرونه شرًّا ونكرًا ويرون قبوله جريمة وإثمًا"٧.

وإذا كان التنظيم الحزبي، نتيجة توزع طرائق النظر إلى الأهداف العليا, والاختلاف على تفاصيل الحركة الوطنية، قد أدَّى إلى تنظيم الاشتغال بالسياسة من حيث البرامج والعمل، فإن هذا التنظيم كانت له اتجاهات ومُثُل، فاتجه الوفد في العهد البرلماني من تاريخنا المعاصر نحو نظام وأهداف "الحزب الواحد" الذي عرفته بعض الأمم في الطور من تاريخ العالم الذي تلا الحرب العالمية الأولى٨, وتألَّفَ حزب الأحرار الدستوريين، قبل صدور الدستور


١ الأهرام في ٢٧ فبراير ١٩٢٢، ١، ٣، ٥ مارس ١٩٢٢.
٢ الأهرام في ٧ فبراير ١٩٢٢.
٣ الأهرام في ٢١ أبريل ١٩٢٢.
٤ الأهرام في ٢٦ أبريل ١٩٢٢.
٥، ٦ الدكتور طه حسين: "حديث المساء"، كوكب الشرق في ٢٨ مارس ١٩٣٤.
٧ مذكرات طه حسين ص ٢٥٨.
٨ محمد شفيق غربال: تاريخ المفاوضات جـ١ ص١١٦.

<<  <   >  >>