الإسلامية بغيرها من المدنيات، والفلسفة ظاهرة فريدة نشأت في بلاد اليونان في ظروف غير خاضعة لنشأة المدنيات، ولا يمكن تعليلها بأسباب خارجة عنها، إن ذلك يرينا أول محاولة للتغذي بثمرات الفكر اليوناني تغذيًا أبعد مدى وأوسع حرية مما كان عليه الأمر في نشأة العقائد أن تتبع أفكار اليونان وامتزاجها في مدينة الشرق الكثيرة العناصر لكثير الفائدة عند ديبور؛ لأنه يجعل ذلك بداية التمدن الحقيقي في بلاد الشرق، وديبور لم يبحث الفلسفة الإسلامية بهدف بيان أصالتها أو مكانتها في مسيرة الحياة الفكرية للإنسانية ككل، ولم يكن تأريخه لها لذاتها ولا حبًّا فيها، ولا حتى بوصفها واسطة بين الفلسفة اليونانية والأوربية الحديثة كما يزعم البعض.. لا.. لم يكن هذا هدفا مقصودًا لديبور ولا لغيره ممن أرخوا للفلسفة الإسلامية أو كتبوا عنها، مثل هنر كوربان، وماسينيون، إن ما يهتم به المستشرقين من وراء ذلك التاريخ هو العمل على تكملة وإتمام تاريخ ذلك النهر الفكري في أوربا، ذلك النهر الذي بدأه فلاسفة اليونان، ما زال عطاؤه متدفقا إلى يومنا هذا في أوربا، فإذا انحرف مسار ذلك النهر عن طريقه الطبيعي، وخرج إلى جنس آخر غير آرى كالجنس العربي مثلا؛ فإنما ليأخذ بيد شعوبه إلى مسار المدنية والحضارة، ثم ما يلبث أن تعود مياهه إلى مجراها الطبيعي بأوربا، فدراسة الفلسفة الإسلامي عند المستشرقين يقصدون من ورائها إلى أمور محددة تتصل بحياتهم الفكرية.