علم من نفسه عدم الملالة، وبقاء النشاط، فيرتب الدروس ترتيب الكتاب، وإن رأى مع ذلك تقديم الأسبق ليحضر المتأخر على التقدم كان حسنا، ولا يقدم أحدا في نوبة غيره، ولا يؤخره عن نوبته إلا إذا رأى في ذلك مصلحة، فإن سمع بعضهم لغيره في نوبته فلا بأس، وإن جاءوا معا وتنازعوا أقرع كما سيأتي إن شاء الله في القسم الثالث من النوع الثالث.
ومن ذلك إذا سلك الطالب فوق ما يقتضيه حاله، وخاف ضجره أوصاه بالرفق بنفسه، وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة أو ضجر أمره بالراحة، ولا يشير على الطالب بتعلم ما لا يحتمله فهمه أو سنه، ولا كتاب يقصر عنه ذهنه، فإن استشاره من لا يعرف حاله في قراءة فن مشكل أو كتاب مشكل لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه، ويعلم حاله، فإن لم يحتمل الوقت التأخير أشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب، فإن رأى فهمه جيدا نقله إلى كتاب يليق بذهنه؛ لأن نقل الطالب الذكي يزداد به فهمه واجتهاده وانبساطه، ونقل الطالب غير الذكي يكل فهمه ونشاطه، ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين أو أكثر إذا لم يضبطهما، بل يقدم الأهم فالأهم، وإذا غلب على ظنه أنه لا يفتح عليه في ذلك الفن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فلاحه فيه، وإذا كان الشيخ متكفلا ببعض العلوم، فلا يقبح للطالب باقي العلوم التي لا يحسنها؛ إذ من عادة معلم اللغة تقبيح الفقه، ومعلم الفقه تقبيح علم الحديث والتفسير، بل يوسع على الطالب طريق التعلم مطلقا.
ومن ذلك ألا يتأذى ممن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره، قال النووي: وهذه مصيبة يبتلى بها جهلة المعلمين لغباوتهم، وفساد نيتهم وإرادتهم بالتعليم غير وجه الله، وهذا إذا كان المعلم الآخر أهلا، فإن كان فاسقا أو مبتدعا أو كثير الغلط فليحذره من الاغترار به، والله يعلم المفسد من المصلح، والله تعالى أعلم.