للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه ١ رضي الله عنهما ٢:

روي عن إسحاق قال: كنا بمكة والشافعي بها، وأحمد بن حنبل أيضا بها، وكان أحمد يجالس الشافعي وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد: يا أبا يعقوب، لم لا تجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما أصنع به وسنه قريب من سننا؟ كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله؟ فقال: ويحك إن هذا يفوت وذلك لا يفوت٣.

قال إسحاق: فذهبت إليه فتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة، وكأن الشافعي تساهل في المناظرة، وأنا بالغت في التقرير، ولما فرغت من كلامي وكان معي رجل من أهل مرو فالتفت إليه وقلت: مردك هكذا مردك لا كمالي نيست، يقول بالفارسية: هذا الرجل ليس له كمال٤، فقال لي: أتناظر؟ قلت: للمناظرة جئت، فقال الشافعي: قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر: ٨] ، فنسب الديار إلى مالكها أو إلى غير مالكها؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة٥: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" ٦ فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟ واشترى عمر بن الخطاب


١ هو أبو يعقوب بن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي: عالم خراسان في عصره، وهو أحد كبار الحفاظ، طاف البلاد لجمع الحديث، وأخذ عنه كبار رجال الحديث كالبخاري وطبقته، وكان ثقة في الحديث، وقال فيه الخطيب: اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد، استوطن نيسابور وتوفي بها سنة ٢٣٨هـ. تاريخ بغداد ٦/ ٣٤٥، وفيات الأعيان ١/ ١٩٩، والسير ١١/ ٣٥٨.
٢ آداب الشافعي ومناقبه ١٧٧-١٨١، وطبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٨٩-٩٠.
٣ أي: إن هذا ليس بمقيم عندنا.
٤ القائل بالفارسية إسحاق بن راهويه للرجل الذي هو من أهل مرو، هذا الرجل عن "الشافعي" ليس له كمال، فعلم بالشافعي أن إسحاق قال فيه سوءا.
٥ في السنة الثامنة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر كتاب الطبقات الكبير ١/ ١٢٤، السيرة النبوية ٢/ ١٥٣.
٦ صحيح مسلم ٣/ ١٤٠٧، وسنن البيهقي الكبرى ٦/ ٢٤، ٩/ ١١٨ وسنن الدارقطني ٣/ ٦٠، وسنن أبي داود ٣/ ١٦٢، والسنن الكبرى ٦/ ٣٨٢، وتحفة المحتاج ٢/ ٥١٢، والمغني ٤/ ١٧٨، والأم ٧/ ٣٦١.

<<  <   >  >>