للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الرابع: في أدب المفتي والفتوى والمستفتي]

[مدخل]

...

الباب الرابع: في أدب المفتي، والفتوى، والمستفتي ١:

ولنقدم على المقصود مقدمة فنقول:

اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء، وقائم بغرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ والخطر؛ ولهذا قالوا: المفتي موقِّع عن الله١، وقد ورد في آدابه والتوقف فيه والتحذير منه من الآيات والأخبار والآثار أشياء كثيرة نورد هنا جملة من عيونها:

قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} الآية [النساء: ١٧٦] وقال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} الآية [يوسف: ٤٦] وقال في التحذير: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} الآية [النحل: ١١٦] إلى غير ذلك من الآيات.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" ٢، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بفتيا من غير ثبت -وفي لفظ: بغير علم- فإنما إثمه على من أفتاه" ٣، وقال صلى الله عليه وسلم: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"٤، وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي ورجل يضل الناس بغير علم أو مصور يصور التماثيل" ٥، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى٦ قال: أدركت


١ كتاب العلم للنووي ص١١٤.
٢ رواه البخاري "١٠٠"، ومسلم "٢٦٧٣"، والترمذي "٢٦٥٢"، وابن ماجه "٥٢"، وأحمد في المسند "١٦٢ و١٩٠ و٢٠٣"، وحلية الأولياء ٢/ ١٨١، وجامع بيان العلم وفضله ١/ ٥٨٦.
٣ المستدرك على الصحيحين ١/ ١٨٣ و١٨٤، وسنن الدارمي ١/ ٦٩، وسنن البيهقي الكبرى ١٠/ ١١٢ و١١٦، وسنن أبي داود ٣/ ٣٢١، وفيض القدير ٦/ ٧٧، والمدخل إلى السنن الكبرى ١/ ١٧٦ و٤٢٩، ومسند أحمد ٢/ ٣٢١.
٤ فيض القدير ٦/ ٧٧، وكشف الخفاء ١/ ٥١.
٥ مجمع الزوائد ١/ ١٨١، والمعجم الكبير ١٠/ ٢١١.
٦ هو أبو عيسى الكوفي، عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري الأوسي: محدث ثقة، ولد لست بقين من خلافة عمر، وهو من أهل المدينة، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ٨٣هـ، وقيل: إنه غرق. وفيات الأعيان ٣/ ١٢٦، والسير ٤/ ٢٦٢.

<<  <   >  >>