للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشافعي -رضي الله عنهما- خاصة، فترك الناس الكلام وانثالوا١ على المسائل الخلافية بين أبي حنيفة والشافعي خاصة.

وزعموا أنهم إنما يفعلون ذلك لله تعالى، وغرضهم استنباط دقائق الشرع وبيان مآخذ الأحكام، وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا طرق المجادلات، وأعرضوا عن الخلاف مع مالك وأحمد بن حنبل وسفيان مع أنهم كانوا يخالفون في جملة من الأحاديث، والبحث عن معاني الأحاديث وما لا يصح منها وما يصح أهم في مآخذ الأحكام، ولكن كانت رغبتهم بحسب ميل [الولاة و] ٢ الصدور للتوسل إلى الصلات والولايات٣، فلم يشتغلوا إلا بما يروج٤ عندهم، ثم لم يسكتوا عن قولهم إنه لا باعث لهم إلا الدين وإحياء الشرع، ولو مالت نفوس أرباب الولايات إلى الخلاف مع أحمد بن حنبل ومع مالك وغيرهم لاشتغلوا بالبحث عن مذاهبهم ومناقضاتهم.

قال: فهكذا كان ترتيب الأعصار إلى الآن، ولا ندري ما قدره الله تعالى فيما بعد من الأعصار، فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرة لا غير٥. انتهى.

هذا ما كان في زمن الغزالي، وأما في عصرنا هذا فقد قصرت الهمم، وراج الجهل وذووه، فلا إكباب لمن ينتسب للعلم على شيء مما تقدم، ولكن ربما وقع بينهم مناظرات ومناقضات لائقة بحالهم، ونحن إنما اتبعنا


١ ثال: صب، وانثالوا: اجتمعوا وانصبوا من كل وجه.
٢ زيادة من فاتحة العلوم.
٣ في فاتحة العلوم: "إذ كان بهم التوسل إلى الإدرار، والصلات، والولايات" ودر اللبن: كثر وسال، ويقال في العطاء: الإدرار، والوصل: ضد الهجران، والصلة: الهبة أو الجائزة والعطية جمعها صلات، والولايات: جمع ولاية، وهي الإمارة.
٤ راج الأمر يروج: نفق.
٥ فاتحة العلوم ١٠٨-١٠٩.

<<  <   >  >>