للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسحاق: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى١ وقيصر٢ وكان حجة عليهم عند الله، فسكت الشافعي، فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي فأفتى بحديث ميمونة، قال السبكي بعد ذكره هذه المناظرة٣: وقد يظن قاصر الفهم أن الشافعي انقطع فيها مع إسحاق، وليس الأمر كذلك، ويكفيه مع قصور فهمه أن يتأمل رجوع إسحاق إلى الشافعي، فلو كانت حجته قد نهضت على الشافعي لما رجع، قال: ثم تحقيق هذا أن اعتراض إسحاق فاسد الوضع لا يقابل بغير السكوت، وذلك أن كتاب عبد الله بن عكيم كتاب عارضه سماع ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع وإنما ظن ذلك ظنا لقرب التاريخ، ومجرد هذا لا ينهض بالنسخ، أما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء بل عضدها القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءنا بالدعوة إلى ما في الكتاب، فلاح بهذا أن السكوت من الشافعي تشكيك على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع فلم يستحق عنده جوابا، وهذا شأن الخارج عن البحث عن الجدليين فإنه لا يقابل بغير السكوت، ورب سكوت أبلغ من نطق.


١، ٢ حيث كانوا من ملوك الأرض آنذاك، انظر صحيح البخاري ٣/ ١٠٧٤، ومسلم ٣/ ١٣٩٧، وسنن الترمذي ٥/ ٦٨، وأحكام القرآن للجصاص ٥/ ١٨، وكتاب التقرير والتحبير ٢/ ٣٧٣، والمغني ١٠/ ١٢٦، وشرح النووي على صحيح مسلم ١٢/ ١١٢، وسنن البيهقي الكبرى ٩/ ١٧٧ و١٧٩.
٣ طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٩٢.

<<  <   >  >>