ولو تركت الطرقات هكذا لكل من يريد أن ينصب فيها تابوتا لبضاعته في عرض الطريق لضاقت الطرقات والشوارع على المارة والمجتازين، وربما ادعى أحدهم ملكية المكان الذى يشغله على أن الفقهاء لم يرتبوا حقا للتملك لمن يجلس في الطرقات للبيع والشراء فقالوا: والسابق أحق به ما دام فيه، فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته لان يد الاول عليه، وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه، لان يده قد زالت وإن قعد وأطال منع من ذلك لانه يصير كالمتملك، ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه، ويحتمل أن لا يزال.
وهذا وجه آخر لانه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم.
وان استبق إثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما، واحتمل أن يقدم الامام من يرى منهما.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما كان ينبغى لنا أن نشترى من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق.
قلت: إن الامام أحمد رضى الله عنه يرى في وقوف مثله على قارعة الطريق للشراء ضربا من التبذل المخل بأهل الوقار والنصون: لان هؤلاء قلما يراعون حقوق الطريق، فقد روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: إذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقها.
قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الاذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهى عن المنكر) هذا والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.