(الشارح) الرق ظاهرة اجتماعية سادت في الارض قبل الاسلام، وتوغلت في حياة المجتمعات البشرية حتى صارت لا يقوم المجتمع قائمة إلا بوجوده لان القوى العاملة في المجتمع التى تمثل عصب الانتاج وتحقيق المنجزات الاقتصادية من زراعية وعمرانية وصناعية كانت تقوم على أيدى الارقاء، وقد أدركت الدولة الرومانية أهمية هذه الفئة في حفظ كيان الدولة فحرمت على الافراد في القانون الرومانى أن يعتقوا عبيدهم، وكانت تحكم بالسجن أو التعذيب أو فرض الرق على من يضبط متلبسا بجريمة عتق عبد له، وكانت مصادر الرق متنوعة فشعوب الامم المغلوبة عسكريا تسترق للغالب من القواد والملوك الجبابرة، والجنود توزع عليهم الاسلاب ومنها رجال ونساء هذه الامم المقهورة، وكل إنسان يخطف من بلده ويفر به خاطفوه إلى أحيائهم ومضاربهم ونجوعهم يصير عبدا مسترقا لخاطفيه لهم بيعه وهبته وتوارثه ويملكون حياته وموته وليس له حرمة في تلك المجتمعات الجاهلية فارسية ورومانية وعربية وشرقية وغربية.
فلما جاء الاسلام وهو في منهجه الرصين سماوي الهداية، وفي تغييره الجذري ثورى الوسيلة، في تدرجه الرزين تربوى التعليم، وفي نظرته لهذه الفئة رحيم السلوك، راقى الاحساس، رفيع الغاية، جفف منابع الرق، ويسر مصافيه، وضيق مصادره ووسع موارده، وقصره على الحروب وحدها وجعله بين المحاربين فقط لا يتجاوزه لى الآمنين ممن لم يرفعوا سلاحا، ثم نظم العلاقة بين السيد ومولاه حتى ليتمنى الحر منا أن يكون مولى لاحد هؤلاء النبلاء من حواريى النبوة وجنود الرساله، بل إن الاسلام حين جعل المرء لا يحط عنه وزر القسم الحانث إلا بعتق رقبة، ولا قنداح عنه معرة الظهار حين يجعل إمرأته كظهر أمه إلا بعتق رقبة من قبل أن يتماسا، وجعل في تعمد الطعام في الصوم إعتاق رقبة، وجعل المؤمن الحق الذى اقتحم العقبة، هو الذى يفك الرقاب العانية، ويطعم في المسغبة المساكين الكادحة.